للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقيل: إن العذاب الثاني قتل بعضهم يوم بدر، والأول استئصال الكل، فلم يقع الأول لما قد علم من إيمان بعضهم وإسلام بعض ذراريهم ووقع الثاني، أو أن العذاب الأول عذاب الدنيا، والثاني عذاب الآخرة، فيكون المعنى، وما كان الله معذب المشركين لاستغفارهم في الدنيا، وما لهم ألا يعذبهم الله في الآخرة. (١)

الوجه السادس: قيل: إن الآية الثانية ناسخة للأولى. (٢)

قال الطبري: بل معنى ذلك: وما كان الله ليعذب المشركين وهم يستغفرون. قالوا: ثم نسخ ذلك بقوله: {وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (٣).

وهذا مردود.

قال ابن الجوزي: وفيه بُعد؛ لأن النسخ لا يدخل على الأخبار باتفاق أهل العلم (٤).

قال ابن جرير: لا وجه لقول من قال ذلك منسوخ بقوله: {وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} لأن قوله جل ثناؤه: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (٣٣)} خبر، والخبر لا يجوز أن يكون فيه نسخ، وإنما يكون النسخ للأمر والنهي (٥).

أما عن سؤالهم كيف يجد النبي - صلى الله عليه وسلم - عذرًا لقومه خاصة، وأنههم طلبوا العذاب مع أن الأنبياء قبل ذلك لم يحاولوا أن يجدوا أعذارًا للكفار من قومهم؟ .

والجواب على ذلك نقول:

إن في ذلك إعلام بكرامة الرسول - صلى الله عليه وسلم - عند الله، حينما يرفع الله العذاب عن الأمة بسبب نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -.


(١) زاد المسير لابن الجوزي (٣/ ٣٥٢)
(٢) ذكره الطبري في التفسير (٦/ ٢٣٨)، وابن الجوزي (٣/ ٣٥٠).
(٣) تفسير الطبري (٦/ ٢٣٨).
(٤) زاد المسير (٣/ ٣٥٠).
(٥) تفسير الطبري (٦/ ٢٣٨)، ودفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب (١٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>