للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَحْوَالِ. قَوْله تَعَالَى: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} أَمَرَهُنَّ الله تَعَالَى أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُنَّ جَزْلًا، وَكَلَامُهُنَّ فَصْلًا، وَلَا يَكُونُ عَلَى وَجْهٍ يُحْدِثُ فِي الْقَلْبِ عَلَاقَةً بِمَا يَظْهَرُ عَلَيْهِ مِنْ اللِّينِ المُطْمِعِ لِلسَّامِعِ، وَأَخَذَ عَلَيْهِنَّ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُنَّ مَعْرُوفًا.

وقَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب: ٣٣] قَالَ الْقَاضِي: الَّذِي عِنْدِي أَنَّهَا جَاهِلِيَّةٌ وَاحِدَةٌ؛ وَهِيَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا وُصِفَتْ بِالْأُولَى؛ لِأَنَّهَا صِفَتُهَا الَّتِي لَيْسَ لَهَا نَعْتُ غَيْرِهَا، وَهَذَا كَقَوْلِهِ: {قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ} وَهَذِهِ حَقِيقَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ يَحْكُمُ إلَّا بِالْحَقِّ (١).

وعن عائشة - رضي الله عنها - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - جَاءَهَا حِينَ أَمَرَهُ الله أَنْ يُخَيِّرَ أَزْوَاجَهُ، فَبَدَأَ بِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا فَلَا عَلَيْكِ أَنْ لَا تَسْتَعْجِلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ. وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ أبوَيَّ لَمْ يَكُونَا يَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ، قَالَتْ: ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الله قَالَ: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ} إِلَى تَمامِ الْآيَتَيْنِ. فَقُلْتُ لَهُ: فَفِي أَيِّ هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ، فَإِنِّي أُرِيدُ الله وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ" (٢).

وفي الحديث الذي بعده قالت عائشة - رضي الله عنها - ثُمَّ فَعَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَ مَا فَعَلْتُ (٣).

وفي الحديث ملاطفة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأزواجه وحلمه عنهن، وصبره على ما كان يصدر منهن من إدلال وغيره مما يبثه عليهن الغيرة.

[الوجه الثاني: لماذا يأمر الله زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذه الأمور؟]

أولًا: الشرط لا يقتضي وقوع الفعل.

قال تعالى: {مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ. .} [الأحزاب: ٣٠]، وهذا أسلوب شرط، والشرط لا يقتضي وقوع الفعل، كقوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: ٦٥]، وقوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا


(١) أحكام القرآن لابن العربي (٣/ ١٥٣٤، ١٥٣٨).
(٢) أخرجه البخاري (٤٧٨٥)، مسلم (١٤٧٥).
(٣) أخرجه البخاري (٤٧٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>