للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (٣٣)} [الأحزاب: ٣٣] أي: اِلْزَمْنَ بيوتكن، فلا تخرجن لغير الحاجة، ومن الحوائج الشرعية: الصلاة في المسجد بشرطه، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ الله مَسَاجِدَ الله (١)، وَلَكِنْ لِيَخْرُجْنَ وَهُنَّ تَفِلَاتٌ (٢) "، وفي رواية: "وبيوتهن خير لهن" (٣).

وفيه دليل على أنه لا يجوز للمرأة أن تتطيب في غير بيتها بطيب على حال من الأحوال، وإذا تطيبت في بيتها فلا تخرج، ولما كان الأصل ألا تخرج امرأة إلا تفلة، وكان الوقت المعروف لتطيب النساء للرجال، إنما هو بالليل؛ لأن الليل يجمع بين الرجل وامرأته لإقباله من مصرفه إلى بيته ليسكن إلى أهله في ليله فتطيب امرأته، قيل لهن: من تطيب منكن قبل شهود العشاء فلا تشهد العشاء (٤).

والتفلة: هي غير المتطيبة؛ لأن التفل نتن الريح، يقال: امرأة تفلة إذا كانت متغيرة الريح بنتن أو ريح غير طيبة (٥).

أما قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} [الأحزاب: ٣١] بَيَّنَ الله تَعَالَى أَنَّهُ كَمَا يُضَاعَفُ بِهَتْكِ الْحُرُمَاتِ الْعَذَابُ كَذَلِكَ يُضَاعَفُ بِصِيَانَتِهَا الثَّوَابُ، وقَوْلهُ: {لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} [الأحزاب: ٣٢]، يَعْنِي: فِي الْفَضْلِ وَالشَّرَفِ فَإِنَّهُنَّ وَإِنْ كُنَّ مِنْ الْآدَمِيَّاتِ فَلَسْنَ كَإِحْدَاهُنَّ، كَمَا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَإِنْ كَانَ مِنْ الْبَشَرِ جِبِلَّةً - فَلَيْسَ مِنْهُمْ فَضِيلَةً وَمَنْزِلَةً، وَشَرَفُ الْمَنْزِلَةِ لَا يَحْتَمِلُ الْعَثَرَاتِ، فَإِنَّ مَنْ يُقْتَدَى بِهِ وَتُرْفَعُ مَنْزِلَتُهُ عَلَى الْمَنَازِلِ جَدِيرٌ بِأَنْ يَرْتَفِعَ فِعْلُهُ عَلَى الْأَفْعَالِ، وَيَرْبُوَ حَالُهُ عَلَى


(١) أخرجه البخاري مع الفتح (٢/ ٩٠٠).
(٢) أبو داود (٥٦٥)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (٥٢٩).
(٣) المستدرك للحاكم (١/ ٢٠٩).
(٤) الاستذكار (٧/ ٢٤٩).
(٥) التمهيد (٢٤/ ١٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>