للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وريحًا كأنما أخرجها من جؤنة عطار - الجؤنة بضم الجيم وسكون الهمزة وقد تسهل - قال غيره مسها بطيب أم لم يمسها، يصافح المصافح، فيظل يومه يجد ريحها، ويضع يده على رأس الصبي، فيعرف من بين الصبيان بريحها عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ دَخَلَ عَلَيْنَا النبي - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ عِنْدَنَا، فَعَرِقَ وَجَاءَتْ أمي بِقَارُورَةٍ فَجَعَلَتْ تَسْلُتُ الْعَرَقَ فِيهَا فَاسْتَيْقَظَ النبي - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "يَا أُمَّ سُلَيْمٍ مَا هَذَا الذي تَصْنَعِينَ". قَالَتْ هَذَا عَرَقُكَ نَجْعَلُهُ في طِيبِنَا وَهُوَ مِنْ أَطْيَبِ الطِّيبِ (١).

وعن جابر - رضي الله عنه - قال: لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يمر في طريق فيتبعه أحد إلا عرف أنه سلكه من طيبه، وذكر إسحاق بن راهويه إن تلك كانت رائحته بلا طيب - صلى الله عليه وسلم -، وروى المزني والحربي عن جابر - رضي الله عنه -: أردفني النبي - صلى الله عليه وسلم - خلفه فالتقمت خاتم النبوة بفمي، فكان ينم على مسكًا وشاهد هذا أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن منه شيء يكره ولا غير طيب، ومنه حديث علي - رضي الله عنه - غسلت النبي - صلى الله عليه وسلم - فذهبت انظر ما يكون من الميت فلم أجد شيئًا فقلت: طبت حيًّا وميتًا، قال: وسطعت منه ريح طيبة لم نجد مثلها قط، ومثله قال أبو بكر - رضي الله عنه - حين قبَّل النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد موته: طبت حيًا وميتًا (٢).

[الوجه السادس: شق صدر النبي - صلى الله عليه وسلم - وتطهير قلبه من حظ الشيطان.]

فعَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ الله أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَالِكٍ يَقُولُ لَيْلَةَ أُسْرِىَ بِرَسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في مِنْ مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ أَنَّهُ جَاءَهُ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ وَهْوَ نَائِمٌ فِي المُسْجِدِ الحرَامِ، فَقَالَ أَوَّلُهُمْ أَيُّهُمْ هُوَ، فَقَالَ: أَوْسَطُهُمْ هُوَ خَيْرُهُمْ. فَقَالَ آخِرُهُمْ خُذُوا خَيْرَهُمْ. فَكَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَلَمْ يَرَهُمْ حَتَّى أَتَوْهُ لَيْلَةً أُخْرَى فِيمَا يَرَى قَلْبُهُ، وَتَنَامُ عَيْنُهُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ وَكَذَلِكَ الأَنْبِيَاءُ تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ وَلَا تَنَامُ قُلُوبُهُمْ، فَلَمْ يُكَلِّمُوهُ حَتَّى احْتَمَلُوهُ فَوَضَعُوهُ عِنْدَ بِئْرِ زَمْزَمَ، فَتَوَلَّاهُ مِنْهُمْ جِبْرِيلُ فَشَقَّ جِبْرِيلُ مَا بَيْنَ نَحْرِهِ إِلَى لَبَّتِهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَدْرر وَجَوْفِهِ، فَغَسَلَهُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ بِيَدِهِ، حَتَّى أَنْقَى جَوْفَهُ، ثُمَّ أُتِىَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ فِيهِ تَوْرٌ مِنْ ذَهَبٍ، مَحْشُوًّا إِيمَانًا وَحِكْمَةً، فَحَشَا بِهِ صَدْرَهُ وَلَغَادِيدَهُ - يَعْنِى عُرُوقَ حَلْقِهِ - ثُمَّ أَطْبَقَهُ ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَضَرَبَ بَابًا مِنْ أَبْوَابِهَا، فَنَادَاهُ أَهْلُ السَّمَاءِ: مَنْ هَذَا فَقَالَ جِبْرِيلُ. قَالُوا وَمَنْ


(١) صحيح مسلم (٦٢٠١)، وذكر البخاري في تاريخه الكبير (١٢٧٣).
(٢) صحيح البخاري (٣٦٦٧)، الشفا بتعريف حقوق المصطفى (١/ ٦١ - ٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>