للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن قوله: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} من المُتْعة التي قد أجمع أهل العلم أنها حرام). (١)

رابعًا: بيان التحريم من القياس.

قال الماوردى: أَنَّهُ كلُّ عَقْدٍ جَازَ مُطْلَقًا، فَبَطَلَ مُؤَقَّتًا كَالْبَيْعِ طَرْدًا وَالْإِجَارَةِ عَكْسًا، وَلأَنَّ لِلنِّكَاحِ أَحْكَامًا تَتَعَلَّقُ بِصِحَّتِهَا، وَيَنْتَفِي عَنْ فَاسِدِهَا، وَهِيَ الطَّلَاقُ وَالظِّهَارُ، وَالْعِدَّةُ وَالمِيْرَاثُ، فَلَمّا انْتَفَتْ عَنِ الْمُتْعَةِ هَذِهِ الْأَحْكَامُ دَلَّ عَلَى فَسَادِهِ كَسَائِرِ الْمَنَاكِحِ الْفَاسِدَةِ (٢).

خامسًا: بيان التحريم بالمعقول.

قال الجصاص: وَممَّا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الْمُتْعَةِ مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ، أَنَّا قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ وَإِنْ كَانَ وَاقِعًا عَلَى اسْتِبَاحَةِ مَنَافِعِ الْبُضْعِ؛ فَإِنَّ اسْتِحْقَاقَ تِلْكَ المُنَافِعِ بِعَقْدِ النِّكَاحِ بِمَنْزِلَةِ الْعُقُودِ عَلَى المُمْلُوكَاتِ مِنْ الْأَعْيَانِ وَأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِعُقُودِ الْإِجَارَاتِ الْوَاقِعَةِ عَلَى مَنَافِعِ الْأَعْيَانِ. أَلا تَرَى أَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ يَصِحُّ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ شَرْطِ مدَّةٍ مَذْكُورَةٍ لَهُ، وَأَنَّ عُقُودَ الْإِجَارَاتِ لَا تَصِحُّ إلَّا عَلَى مُدَدٍ مَعْلُومَةٍ أَوْ عَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ؟ فَلَمّا كَانَ ذَلِكَ حُكْمَ الْعَقْدِ عَلَى مَنَافِعِ الْبُضْعِ أَشْبَهَ عُقُودَ الْبِيَاعَاتِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهَا إذَا عُقِدَتْ عَلَى الْأَعْيَانِ، فَلَا يَصِحُّ وُقُوعُهُ مُؤقَّتًا كَمَا لَا يَصِحُّ وُقُوعُ التَّمْلِيكَاتِ فِي الْأَعْيَانِ المَمْلُوكَةِ مُؤقَّتَةً، وَمَتَى شُرِطَ فِيهِ التَّوْقِيتُ لَمْ يَكُنْ نِكَاحًا فَلَا يصِحُّ اسْتِبَاحَةُ الْبُضْعِ كَمَا لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ إذَا شُرِطَ فِيهِ تَوْقِيتُ المِلْكِ، وَكَذَلِكَ الهِبَاتُ وَالصَّدَقَاتُ؛ وَلَا يَمْلِكُهُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْعُقُودِ مِلِكًا مُؤَقَّتًا؛ وَكَذَلِكَ مَنَافِعُ الْبُضْعِ لمَا جَرَتْ مَجْرَى الْأَعْيَانِ المَمْلُوكَةِ لَمْ يَصِحَّ فِيهَا التَّوْقِيتُ (٣).

والنكاح ما شرع لقضاء الشهوة فقط؛ وإنما شرع مؤبدًا لأغراض ومقاصد اجتماعية وأخلاقية سامية، ومقاصد أخرى يتوسل به إليها، منها: سكن النفس وإنجاب الأولاد


(١) تهذيب اللغة للأزهري (١/ ٢٥٢).
(٢) الحاوي الكبير (١١/ ٤٥٣).
(٣) أحكام القرآن (٢/ ١٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>