للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفرس والعرب فيها بالألفاظ الواحدة والمعنى الواحد، في أنه مستحقٌّ إضافته إلى كل جنس من تلك الأجناس - اجتماعٌ واقترانٌ. (١)

الوجه الثالث: لم يرد أن أحدًا من سكان مكة أو غيرها قال بأنها غريبة عنه لا يعرفها.

فكيف يتهمون محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بأنه قد أدخل كلمات، عرَفها الناس وتداولوها قبل أن يولد بعقود.

ولو وجد العرب حرفًا واحدًا من غير لسانهم في القرآن لراموا التطاول على هاتين الآيتين اللتين احتجتا عليهم بعدم العذر لفهم هذا القرآن بأسلوب توكيدي كما يرى الإمام الشافعي. والقوم كما يعلم كل ذي بصيرة في التاريخ في سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - في حواره معهم، وفي أساليب القرآن وتحديه لهم؛ جادلوا النبي - صلى الله عليه وسلم - في كل جليلة وحقيرة، لا يفوتون فرصة قامت لهم في هذا الميدان. وكيف تُتلى عليهم ألفاظٌ رومية وفارسية ونبطية وحبشية ولا يتحركون ويستسلمون؟ ! . وهل نقل أنهم عارضوا هذه الألفاظ على أنها عجمية؟ ! (٢)

الوجه الرابع: هذه المفردات غير العربية هي عربية باستعمال العرب لها، فتكلّمت به العرب حتى صار كاللغة.

قال الجوهري: تعريبُ الاسم الأعجميّ أن تتفوَّه به العرب على مِنْهاجها، تقول: عرَّبَتْه العرب وأَعَرَبته أيضًا. (٣)

إن هذه المفردات غير العربية التي وردت في القرآن الكريم، وإن لم تكن عربية في أصل الوضع اللغوي، فهي عربية باستعمال العرب لها قبل عصر نزول القرآن وفيه، وكانت سائغة ومستعملة بكثرة في اللسان العربي قبيل نزول القرآن، وبهذا الاستعمال فارقت أصلها غير العربي، وعُدَّتْ عربية نطقًا واستعمالًا وخطًا.

بل إنَّ للعرب العاربة التي نزل القرآن بلغتهم بعض مخالطة لسائر الألسنة في أسفارهم، فعلَّقت من لغاتهم ألفاظًا غيرت بعضها بالنقص من حروفها، واستعملتها في أشعارها ومحاوراتها؛ حتى جرت مجرى العربيّ الفصيح، ووقع بها البيان، وعلى هذا الحد نزل بها القرآن. (٤)


(١) تفسير الطبري (١/ ٢١).
(٢) مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة العدد (٢١): (هل في القرآن من غير لسان العرب؟ ) بقلم: محمد الأنصاري.
(٣) الصحاح في اللغة (١/ ٤٥٦).
(٤) الإتقان في علوم القرآن (١/ ٣٩٣)، والمهذب فيما وقع في القرآن من العرب (١/ ١).

<<  <  ج: ص:  >  >>