للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيما يوحيه إليها؛ ليكون منها ما قد شاء الله عزَّ وجلَّ أن يكون منها؛ حتى يمضي في ذلك بإلهامه إياها له؛ وحتى يكون منها ما أراد عزَّ وجلَّ أن يكون منها، فمثل ذلك الذباب؛ ألهمه عزَّ وجلَّ ما ألهمه مما يكون سببًا لإتيانه لما أراده منه من غمس أحد جناحيه فيما يقع فيه مما فيه الداء، والتوقي بجناحه الآخر الذي فيه الشفاء ومن ذلك قوله عزَّ وجلَّ مما أخبر به عن النمل: {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} (النمل: ١٨)، فألهمها الله عزَّ وجلَّ ما كان منها من ذلك، مما يكون سببًا لنجاتها ونجاة أمثالها من سليمان عليه السلام ومن جنوده، فمثل ذلك ما روي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الذباب مما ذكرنا، ومثل ذلك ما قد أعلمنا الله عزَّ وجلَّ في الهدهد مع سليمان عليه السلام من قوله: {إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ} (النمل: ٢٣)، وكان ذلك لإلهام الله عزَّ وجلَّ إياه ذلك، ولم يكن قبله من أهل الكلام حتى ألهمه ما ألهمه مما أنطقه به، فمثل ذلك: ما قد رويناه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الذباب مما ذكرنا وفيما تلونا مما في كتاب الله عزَّ وجلَّ في النحل وفي النمل؛ ما قد دل على أن سائر الأشياء كذلك، وأن الله تعالى يلهمها ما شاء إذا شاء؛ حتى يكون بما يلهمها من ذلك لغيرها من سائر خلقه مما هو معروف قبل ذلك، بمثل ما كان من ذلك الإلهام. والله عزَّ وجلَّ نسأله التوفيق (١).

قال ابن الجوزي: قد تعجب قوم من اجتماع الداء والدواء في شيء واحد، وليس بعجيب؛ فإن النحلة تعسل من أعلاها، وتلقي السم من أسفلها، والحية القاتل سمها يدخلون لحمها في الترياق، ويدخلون الذباب في أدوية العين، ويسحقونه مع الإثمد ليقوى البصر، ويأمرون بستر وجه الذي يعضه الكلب من الذباب، ويقولون إن وقع عليه تعجل هلاكه، وقد دل هذا الحديث على أنه إذا

مات في الماء اليسير ما ليست له نفس سائلة لم ينجس خلافًا لأحد قول الشافعي (٢).

الثاني: الرد على الطعن في أحاديث الذبابة، وإثبات صحتها.


(١) مشكل الآثار (٤/ ٢٨٥: ٢٨٣).
(٢) كشف المشكل من حديث الصحيحين لابن الجوزي (١/ ١٠٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>