لما كانت جريمة الزنا من أبشع الجرائم التي ترتكب ضد الشرف والأخلاق والفضيلة والكرامة، وتؤدي إلى تقويض بناء المجتمع وتفتيت الأُسر واختلاط الإنساب، وقطع العلاقات الزوجية، وسوء تربية الأولاد؛ بل تفضي إلى ضياع الطفل الذي هو قتل له معنى؛ فإن ولد الزنا ليس له من يربيه، والأم بمفردها لا تستطيع تربيته والقيام بشؤونه لقصور يدها، فيشب على أسوأ الأحوال ويصير عضوًا فاسدًا في جسد المجتمع الإنساني؛ ينشر الحقد والبغضاء، ويبث الفساد والإجرام؛ لأنه ثمرة الجريمة البشعة المنكرة.
فجريمة الزنا من أخطر أمور الحياة كلها؛ بل أشدها تعلقًا بنظامها ودوام سعادتها وهنائها، وتمسكها وترابطها؛ ولذلك اهتم الشارع الحكيم بهذا الحد أكبر اهتمام؛ صونًا للحياة المنزلية من الانهيار، وحفظًا للروابط الأسرية مما يتهددها من بلاء وأخطار، فذكر عقاب من لا يحفظ فرجه وبينه أعظم بيان، وجعله من أشد العقوبات وأفظعها، وأوجب أن لا تأخذنا شفقة ولا رحمة بالجناة، وأن يشهد إقامة الحد جماعة من المؤمنين فقال تعالى:{وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}(النور: ٢). (١)
وقد تكلم ابن القيم عن الحكمة من عقوبة حد الزنا وتغليظه ولما لا تكون بقطع الفرج، وفي الشتم بقطع اللسان؛ كقطع يد السارق؛ فقال: وأما الزاني فإنه يزني بجميع بدنه والتلذذ بقضاء شهوته يعم البدن، والغالب من فعله وقوعه برضا المزني بها؛ فهو غير خائف ما يخافه السارق من الطلب، فعوقب بما يعم بدنه من الجلد مرة، والقتل بالحجارة مرة، ولما كان الزنا من أمهات الجرائم، وكبار المعاصي لما فيه من اختلاط الأنساب الذي يبطل معه التعارف والتناصر على إحياء الدين، وفي هذا هلاك الحرث والنسل فشاكل في معانيه أو في أكثرها القتل الذي فيه هلاك ذلك، فزجر عنه بالقصاص ليرتدع عن مثل فعله من يهم به؛ فيعود ذلك