وشتم جيش معاوية بن أبي سفيان، مع حدوث القتال فيما بينهم.
ومما يدل على التلاحم الأخوي والتراحم الديني بين أمير المؤمنين عليّ ومعاوية -رضي اللَّه عنهما- مع ما كان بينهما من اختلاف اجتهادي - فقد كان معاوية كلما تذكر عليًا بعد استشهاده بكى على فقده وترحم عليه.
فعن الأصبغ بن نباتة قال:(دخل ضرار بن ضمرة النهشلي على معاوية بن أبي سفيان -رضي اللَّه عنه-، فقال له: صف لي عليًا؟ قال: أو تعفيني؟ فقال: لا، بل صفه لي. قال ضرار: رحم اللَّه عليًا! كان واللَّه فينا كأحدنا، يدنينا إذا أتيناه، ويجيبنا إذا سألناه، ويقربنا إذا زرناه، لا يغلق له دوننا باب، ولا يحجبنا عنه حاجب، ونحن -واللَّه- مع تقريبه لنا وقربه منا لا نكلمه لهيبته، ولا نبتديه لعظمته، فإذا تبسم فمن مثل اللؤلؤ المنظوم.
فقال معاوية: زدني في صفته. فقال ضرار: رحم اللَّه عليًا كان -واللَّه- طويل السهاد، قليل الرقاد، يتلو كتاب اللَّه آناء الليل وأطراف النهار.
قال: فبكى معاوية وقال: حسبك يا ضرار! كذلك واللَّه كان عليّ، رحم اللَّه أبا الحسن).
هذا هو حال الإخوة في الزمن الماضي، لم يمنع اختلافهم في الاجتهاد من تراحمهم وخلو قلوبهم من الغل والبغضاء، والتاريخ خيرُ معين لفهم حوادث الزمن الماضي، بعيدًا عن أقوال مبناها عاطفة هوجاء تتقاذف بالمسلم في كل صوب، وليس له من بعد ذلك إلا زيغ الشيطان وشبهاته تتحكم به، والعياذ باللَّه. (١)
ثالثًا: ما عند النصارى من الاقتتال على حطام الدنيا وفيهم نبيهم وقد خذله بعضهم.
١ - ومن أعظم المخازي في ذلك أن يهوذا الإسخريوطي أحد أصحاب عيسى الاثنا عشر هو الذي أسلمه للصلب، وهذا في العهد الجديد ففي إنجيل (متى ١٠/ ٤) قال وهو يعد أصحاب عيسى ويهوذا الإسخريوطي الذي أسلمه.