وكان اليهود والنصارى يتلاقون في تلك البلاد تحت ظلال الأمن والحرية قال بطرس المحترم الشهير: إنه رأى كثيرًا من العلماء يأتون إلى تلك البلاد لتلقي العلوم الفلكية حتى من بلاد انكلترا، وأولئك الذين يسعون إلى طلب العلوم من أي بلاد جاءوا كانوا يجدون فيها رحبًا وسعة، وكان قصر الخليفة يشبه أن يكون مصنعًا للكتب- نسخ وتذهيب وتجليد. . . إلخ ما قال.
ثم انتشرت صناعة الورق التي اخترعها العرب، ثم وجدت المطبعة وسهل على الناس أن ينشروا آرائهم بعد أن تنبهت أفكارهم بما جلب إليهم رسل العلم الذي حملوه إليهم من أهالي أسانيا ومن حملوه مما جاورها ثم أنساب إلى العلم شيء مما سماه الأوروبيون فلسفة ابن رشد، عند ذلك اهتمت المسيحية بالأمر وأخذت تحارب كل ما يظهر على ألسنة الناس أو يرد على أسماعهم مما يخالف ما في الكتب المقدسة وتقاليد الكنيسة.
قال دي رومنيس: إن قوس قزح ليست قوسًا حربية بيد الله ينتقم بها من عباده إذا أراد، بل هي من انعكاس ضوء الشمس في نقط الماء، فجلب إلى روما وحبس حتى مات ثم حوكمت جثته وكتبه فحكم عليها وألقيت في النار، وقيل في علة الحكم: إنه أراد الصلح بين كنيستي روما وانكلترا، وأي ذنب أعظم من هذا الصلح؟ هو أضخم بلا ريب من ذنب القول بأن قوس قزح من انعكاس ضوء الشمس في نقط الماء.
رابعًا: مراقبة المطبوعات ومحكمة التفتيش.
أنشئت المراقبة على المطبوعات، وحتم على كل مؤلف وكل طابع أن يعرض مؤلفه أو ما يريد طبعه على القسيس أو المجلس الذي عين للمراقبة، وصدرت أحكام المجمع المقدس بحرمان من يطبع شيئًا، لم يعرض على المراقب، أو ينشر شيئًا لم يأذن المراقب بنشره، وأوعز إلى هذا المراقب أن يدقق النظر حتى لا ينشر ما فيه شيء يوميء إلى مخالفة العقيدة الكاثوليكية، ووضعت غرامات ثقيلة على أرباب المطابع يعاقبون بها فوق الحرمان من الكنيسة (كأن الحكومة العثمانية على ما تنشر بعض الجرائد أخذت نسخة من قرار المجمع المقدس لتجري عليه مراقبة المطبوعات ولكن للسياسة لا للدين).
أنشئت محكمة التفتيش لمقاومة العلم والفلسفة عندما خيف ظهورها بسعي تلامذة