للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

توقف ولا بحث؛ حتى أعماله في السر والخلوة، يحرصون على العلم بها وعلى إتباعها -علم بهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو لم يعلم-، ومن تأمل أحوال الصحابة - رضي الله عنهم- معه - صلى الله عليه وسلم - استحى أن يخطر بباله خلاف ذلك (هذا رد الإمام السبكي على الزمخشري في تفسيره للآية الثانية من سورة الفتح بأن المراد: جميع ما فرط منك (١).

المعنى الثاني: الوزر: ما أثقل ظهره من أعباء الرسالة حتى يبلغها -ثقل الوحي- (٢).

قال الرازي: إن المراد منه تخفيف أعباء النبوة التي تثقل الظهر من القيام بأمرها وحفظ موجباتها والحافظة على حقوقها، فسهل الله تعالى ذلك عليه، وحط عنه ثقلها بأن يسرها عليه حتى تيسرت له (٣).

وقال الماوردي: أثقل ظهره بالرسالة حتى يبلغها (٤).

إن هذه الألفاظ التي يتعارض ظاهرها مع العصمة، تحتمل وجوهًا من التأويل:

تخريجها على مقتضى اللغة بما يناسب سياقها في الآيات، فالوزر في أصل اللغة الحمل والثقل (٥)، قال تعالى: {حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} أي أثقالها، وإنما سميت الذنوب بأنها أوزارًا لأنها تثقل كاسبها وحاملها، وإذا كان الوزر ما ذكرناه، فكل شيء أثقل الإنسان وغمه وكده، وجهده، جاز أن يسمى وزرًا، تشبيها بالوزر الذي هو الثقل الحقيقي.

وليس يمتنع أن يكون الوزر في الآية ثقل الوحي، كما قال عز وجل: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} وعبء التبليغ، وثقل الدعوة، حيث كان الاهتمام بهما يقض مضجعه، حتى سهلهما الله تعالى عليه، ويسرهما له، ويقوى هذا التأويل، سياق الآية الواردة في مقام الامتنان عليه - صلى الله عليه وسلم -، وقوله عز وجل: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (٦)} والعسر بالشدائد والغموم


(١) المواهب اللدنية للقسطلاني وشرحها للزرقاني ٩/ ٢٢: ٢١.
(٢) تفسير الخازن ٤/ ٤٤١.
(٣) تفسير الرازي ٣٢/ ٤.
(٤) تفسير الماوردي ٦/ ٢٩٦.
(٥) النهاية في غريب الحديث ٥/ ١٧٩، المفردات في غريب القرآن (٨١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>