ومن أشد ما يدعو للعجب أن لا يلتفت المترجمون والمفسرون لهذه الآية التي تصف النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه {رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً}[البينة: ٢]، ويلاحظ هنا أنه تعالى لم يقل في هذه الآيات أن الرسول يقرأ الصحف المقدسة عن ظهر قلب، بل صرح بأنه يقرأ هذه الصحف وهي منشورة أمامه.
قال الرازي: قوله: {يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ} وفيه وجهان الأول: أنها الفرقان الذي أُنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم -، لأن الذي كان يتلوه عليهم ليس إلا ذلك، فوجب حمله عليه. الثاني: يجوز أن تكون الآيات هي الأعلام الدالة على وجود الصانع وصفاته سبحانه وتعالى، ومعنى تلاوته إياها عليهم، أنه كان يذكرهم بها ويدعوهم إليها ويحملهم على الإيمان بها.
قوله:{وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ} والمراد أنه يأمرهم بتلاوة الكتاب ويعلمهم معاني الكتاب وحقائقه؛ وذلك لأن التلاوة مطلوبة لوجوه: منها بقاء لفظها على ألسنة أهل التواتر، فيبقى مصونًا عن التحريف والتصحيف، ومنها أن يكون لفظه ونظمه معجزًا لمحمد - صلى الله عليه وسلم -، ومنها أن يكون في تلاوته نوع عبادة وطاعة، ومنها أن تكون قراءته في الصلوات وسائر العبادات نوع عبادة، فهذا حكم التلاوة إلا أن الحكمة العظمى والمقصود الأشرف تعليم ما فيه من الدلائل والأحكام؛ فإن الله تعالى وصف القرآن بكونه هدى ونورًا، لما فيه من المعاني والحكم والأسرار، فلما ذكر الله تعالى أولًا أمر التلاوة ذكر بعده تعليم حقائقه وأسراره فقال:{وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ}. الصفة الثالثة من صفات الرسول - صلى الله عليه وسلم - قوله:{وَالْحِكْمَةَ} أي ويعلمهم الحكمة.