أدرك خطأه فتاب إلى الله فقبل توبته واجتباه، قال تعالى: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى {(١٢١) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى}، إذ انتهت الخطيئة على صاحبها، ولكن النصارى يدعون شيئين كليهما لا يمكن تسليمه إطلاقًا:
الأول: أنَّ الخطيئة باقية لم تزل، وأن الله لم يغفرها لآدم.
الثاني: أنَّ الخطيئة لم تقف عند حد آدم، بل انتقلت منه إلى جميع أبنائه، ومن هنا أصبحوا مخطئين بطبيعتهم.
ونحن لا نسلم الأمر الأول؛ لأن الله قد تاب على آدم، وهو التواب الرحيم يفتح باب التوبة للإنسان؛ لأنه يعلم أن الإنسان ليس مَلَكًا مجردًا من الشهوة، وإنما هو مركب من الخير، قال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (٧) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}، ومن هنا كان من الممكن أن يسقط الإنسان في الخطأ بحكم طبيعته ومنطق العدل والرحمة يستلزم أن يفتح الله باب توبته لمن يتوب، ولكن النصارى لا يؤمنون بالتوبة كطريق إلى مغفرة الذنوب، ويقولون: ليست هناك توبة كاملة لأي مخلوق، وليس هناك إلا طريق واحد لمغفرة الذنوب، وهو أن يصلب الله نفسه على الصليب تكفيرًا عن خطايا البشر.
وهم (أي النصارى) يزعمون أن الله لا يمكن أن يغفر الخطيئة بمجرد كلمة إلهية تصدر منه لأنه لا يقدر أن يكون غير عادل، والذي نود أن نفهمه من هؤلاء ما وجه معارضة غفران الخطايا للعدالة، وألا يتعارض هذا مع صفة الرحمة.
[الوجه الرابع: البرهان من التوراة والإنجيل على أن التوبة وحدها تكفي لغفران الذنوب، ولا حاجة للصلب.]
في الإنجيل الذي بين أيديكم أن الله صفح (وتاب على أهل نينوى عندما صاموا وقاموا)، ويقولون: إن الصوم والصلاة والصدقة والتوبة لا تجدي شيئًا لأنَّها طرق بشرية ولا بد في التوبة من وسيلة إلهية، وهي (صلب نفسه على الصليب)(١).
(١) مشكلات العقيدة النصرانية د. سعد الدين صالح (١٥٦).