ويقال لمن زعم خطيئة آدم قد عمّت سائر أولاده، وأنه لا يطهرهم من خطاياهم إلَّا قتل المسيح: فالتوراة والنبوات ترد هذه المقالة الشوهاء، وذلك أن التوراة تقول في السفر الأوّل وهو الذي يعرف بسفر الخليقة لقابيل الذي قتل هابيلًا، وردّ الله عليه قربانه ولم يتقبله:"إنك إن أحسنت تقبلت منك، وإن لم تحسن فإن الخطية رابضة ببابك"(التكوين ٤/ ٧: ٦)، وإذا كان الأمر كذلك فقد صار إحسان المحسن من بني آدم مطهرًا له ومخلصًا، فلا حاجة إلى شيءآخر.
وقال الله تعالى في السفر الأوّل من التوراة:"إني سأجزي هابيل عن الواحد سبعة"(التكوين ٤/ ١٥)، وفي ذلك مندوحة عن التطهير بقتل وصلب، إذ الجزاء طهرة وزيادة.
وقد قال الله تعالى في بعض النبوات:"لا آخذ الولد بخطية والده ولا الوالد بخطية ولده، طهارة الطاهر له تكون، وخطية الخاطئ عليه تكون"(حزقيال ١٨/ ٢٠)، وذلك موافق لقول ربنا جلّ اسمه:" {إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}(الأنعام: ١٦٤).
وقد قال الله في المزمور الرابع: "يَا بَنِي الْبَشَرِ، حَتَّى مَتَى يَكُونُ مَجْدِي عَارًا؟ حَتَّى مَتَى تُحِبُّونَ الْبَاطِلَ وَتَبْتَغُونَ الْكَذِبَ؟ سِلَاهْ. ٣ فَاعْلَمُوا أَنَّ الرَّبَّ قَدْ مَيَّزَ تَقِيَّهُ. الرَّبُّ يَسْمَعُ عِنْدَ مَا أَدْعُوهُ. ٤ اِرْتَعِدُوا وَلَا تُخْطِئُوا. تَكَلَّمُوا فِي قُلُوبِكُمْ عَلَى مَضَاجِعِكُمْ وَاسْكُتُوا. سِلَاهْ. اِذْبَحُوا ذَبَائِحَ الْبِرِّ، وَتَوَكَّلُوا عَلَى الرَّبِّ." (مزمور ٤/ ٥: ٢)، فهذا المزمور من مزامير داود يقول: إنه لا حاجة إلى قتل المسيح إذ كان الندم والتوكل على الرّبّ تعالى فيه مندوحة عن ذلك.
وقال الله تعالى في المزمور الأوّل: "طُوَبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي لَمْ يَسْلُكْ فِي مَشُورة الأَشْرَارِ، وَفي طَرِيقِ الخُطَاةِ لَمْ يَقِفْ، وِفي مَجْلِسِ المُسْتَهْزِئينَ لَمْ يَجْلِسْ. ٢ لكِنْ فِي نَامُوسِ الرَّبِّ مَسَرَّتُهُ، وَفي نَامُوسِهِ يَلْهَجُ نَهَارًا وَلَيْلًا." (مزمور ١/ ٢: ١)، فقد أخبر الله تعالى على لسان داود - عَلَيْهِ السَّلَام - أن الاشتغال بأسباب الخير ومفارقة أهل الشّرّ مخلص فلا حاجة إلى الخلاص بقتل المسيح وصلبه.
وقال بولس - خطيب النصارى ومتكلمهم -: "أولا تعلم أن إمهال الله لك إنما هو ليقبل بك إلى التوبة؟ " (بولس ٢/ ٥: ٣). فإن كان لا بدّ من قتل المسيح لضرورة