للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سورة الصافات وتذييلها بما ذيل ظاهر الدلالة على أن هنالك بشارتين متغايرتين. (١)

[الحجة الثانية]

كما استدلوا بأول الآيات في سورة الصافات، استدلوا بآخر الآيات كما قال الرازي في (سياق حجج من قال بأنه إسحاق) لأنه تعالى لما أتم قصة الذبيح قال بعده: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٢)} (الصافات: ١١٢) ومعناه أنه بشره بكونه نبيًا من الصالحين، وذكر هذه البشارة عقيب حكاية تلك القصة يدل على أنه تعالى إنما بشره بهذه النبوة لأجل أنه تحمل هذه الشدائد في قصة الذبيح، فثبت بما ذكرنا أن أول الآية وآخرها يدل على أن الذبيح هو إسحاق عليه السلام (٢).

وعلى هذا قال القرطبي:

فالبشارة كانت مرتين، الأولى بولادته، والثانية بنبوته جزاءً على صبره ورضاه بأمر ربه واستسلامه له. ومعنى قوله تعالى {وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ} (الصافات: ١١٣) أي ثنينا عليهما النعمة، وقيل: كثرنا ولدهما، أي باركنا على إبراهيم وعلى أولاده، وعلى إسحاق حين أخرج أنبياء بني إسرائيل من صلبه (٣).

ويجيب الآلوسي: بأن حمل قوله تعالى: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ} وعلى البشارة بالنبوة خلاف الظاهر إذ كان الظاهر أن يقال: لو أريد ذلك بشرناه بنبوته ونحوه. وتقدير أن يوجد نبيًا لا يدفعه كما لا يخفي وكذا وصفه بالصلاح الذي طلبه. (٤)

قال ابن القيم: فَإِنْ قِيلَ: فَالْبِشَارَةُ وَقَعَتْ عَلَى نُبُوّتِهِ أَيْ لمّا صَبَرَ الْأَبُ عَلَى مَا أُمِرَ بِهِ وَأَسْلَمَ الْوَلَدُ لِأَمْرِ الله جَازَاهُ الله عَلَى ذَلِكَ. قلنا: الْبِشَارَةُ وَقَعَتْ عَلَى المُجْمُوعِ عَلَى ذَاتِهِ وَوُجُودِهِ وَأَنْ يَكُونَ نَبِيّا وَلهِذَا نُصبَ "نَبِيّا" عَلَى الحالِ المقَدّرِ أَيْ مُقَدّرًا نبوّتَهُ فَلَا يُمْكِنُ


(١) روح المعاني ١٦/ ١٠٢.
(٢) التفسير الكبير ٢٦/ ١٥٤.
(٣) الجامع لأحكام القرآن ١٥/ ١١١.
(٤) روح المعاني ٢٣/ ١٣٦، وسوف يتبين لنا عند عرض حجج القائلين بأن الذبيح إسماعيل مدى ضعف هذه الحجة.

<<  <  ج: ص:  >  >>