للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأصول التي بَنَوْا عليها علومهم، وما خالف شروط القراءة الصحيحة عَدُّوه شاذًّا. (١)

قال الزرقاني: لا منافاة ولا ضياع للوحدة؛ فإن الوجوه السبعة التي نزل بها القرآن الكريم واقعة كلها في لغة قريش. ذلك أن قريشا كانوا قبل مهبط الوحي والتنزيل، قد داوروا بينهم لغات العرب جميعًا وتداولوها، وأخذوا ما استملحوه من هؤلاء وهؤلاء في الأسواق العربية ومواسمها ووقائعها وحجها وعمرتها، ثم استعملوه وأذاعوه بعد أن هذبوه وصقلوه. وبهذا كانت لغة قريش مجمع لغات مختارة منتقاة من بين لغات القبائل كافة. وكان هذا سببًا من أسباب انتهاء الزعامة إليهم واجتماع أوراع العرب عليهم. ومن هنا شاءت حكمة الحكيم العليم أن يطلع عليهم القرآن من هذا الأفق، وأن يطل عليهم من هذه السماء سماء قريش ولغتها التي أعطوها مقادتهم، وولوا شطرها وجوههم، فخاطبهم بهذا اللسان العام لهم، ليضم نشرهم ولينظم نثرهم. وقد تم له ما أراد بهذه السياسة الرشيدة التي جاءتهم بالإعجاز البياني عن طريق اللغة التي انتهت إليها أفصح اللغات، وباللسان الذي خضعت له وتمثلت فيه كافة الألسنة العربية. ولو نزل القرآن بغير لغة قريش هذه؛ لكان مثار مشاحنات وعصبيات، ولذهب أهل كل قبيلة بلغتهم، ولعلا بعضهم على بعض، ولما اجتمع عليه العرب أبدًا؛ بل لو نزل القرآن بغير لغة قريش لراجت شبهتهم وافتراؤهم عليه أنه سحر وكهانة وما إليها نظرا إلى أنه قد دخل عليهم من غير بابهم فلا يستطيعون القضاء فيه، ولا إدراك الفوارق البعيدة بينه وبين الحديث النبوي مما يجعلهم يذوقون الإعجاز ويلمسونه كما تذوقوه بوضوح حين نزل بلسانهم. {إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} (٢).

الوجه الثالث: يَحْتَمِل أنْ يَكُون قَوْله "نَزَلَ بلِسَانِ قُرَيْش" أيْ اِبْتِدَاء نزوله، ثمَّ أبِيحَ أنْ يُقْرَأ بِلُغَةِ غَيْرهمْ.


(١) عناية المسلمين باللغة العربية خدمة للقرآن الكريم ١/ ٦٣.
(٢) مناهل العرفان في علوم القرآن ١/ ١٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>