للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَحْزَنُونَ (٤٨) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأنعام: ٤٨، ٤٩].

الوجه الثاني: مدة دعوة نوح - عَلَيْهِ السَّلَام - قومه استمرت دعوته تسعمائة وخمسين (٩٥٠) سنة قبل الطوفان.

قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} فلم يستجيبوا {فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ} فمكث في قومه هذه المدة يدعوهم إلى الله ليلًا، ونهارًا، وسرًّا، وجهارًا، ومع هذا ما زادهم ذلك إلا فرارًا عن الحق، وإعراضًا عنه وتكذيبًا له، وما آمن معه منهم إلا قليل (١).

وبعد هذه المدة الطويلة ما نجح فيهم البلاغ والإنذار (٢).

[الوجه الثالث: بيان معاملة قوم نوح له عند دعوتهم إلى عبادة الله وحده وطاعته.]

وقد عاملوه بأشياء:

أولها: قوله تعالى: {جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} والمعني أنهم بلغوا في التقليد إلى حيث جعلوا أصابعهم في آذانهم لئلا يسمعوا الحجة والبينة.

ثانيها: قوله تعالى: {وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ} أي: تغطوا بها، إما لأجل أن لا يبصروا وجهه، كأنهم لم يجوزوا أن يسمعوا كلامه، ولا أن يروا وجهه، وإما لأجل المبالغة في أن لا يسمعوا؛ فإنهم إذا جعلوا أصابعهم في أَذانهم، ثم استغشوا ثيابهم مع ذلك، صار المانع من السماع أقوى.

وثالثها: قوله: {وَأَصَرُّوا} والمعنى أنهم أصروا على مذهبهم، أو على إعراضهم عن سماع دعوة الحق.

ورابعها: قوله: {وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا} أي: عظيمًا بالغًا إلى النهاية القصوى (٣).

بل كانت مراتب دعوته ثلاث: فبدأ بالمناصحة في السر، فعاملوه بالأمور الأربعة {جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا}، ثم ثنى بالمجاهرة،


(١) تفسير ابن كثير (١٠/ ٤٩٨).
(٢) تفسير ابن كثير (١٠/ ٤٩٩).
(٣) تفسير الفخر الرازي (٣٠/ ١٣٧، ١٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>