للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما على الآخر وفيه بيان لغايته فإن تقييد الاعتزال بقوله "في المحيض" وترتيبه على كونه أذى يفيد تخصيص الحرمة بذلك الوقت ويفهم منه عقلًا انقطاعها بعده (١).

وقال محمد رشيد رضا: وقد أفادت عبارة الآية الكريمة تأكيد الحكم إِذْ أمرت باعتزال النساء في زمن المحيض وهو كناية عن ترك غشيانهن فيه، ثم بينت مدة الاعتزال بصيغة النهي، والحكمة في التأكيد هي مقاومة الرغبة الطبيعية في ملابسة النساء وإيقافها دون حد الإيذاء، وكان يظن الناس أن الاعتزال وترك القرب حقيقة لا كناية، وأنه يجب الابتعاد عن النساء في المحيض وعدم القرب منهن بالمرة، ولكن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بين أن المحرم هو الوقاع. (٢)

[الوجه الثاني: سبب نزول الآية يؤكد تحريم الجماع في الحيض.]

عن أنس -رضي اللَّه عنه- أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوهن في البيوت، فسأل أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فأنزل اللَّه تعالى:

{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} (البقرة: ٢٢٢)

إلى آخر الآية، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- "اصنعوا كل شيء إلا النكاح". (٣)

فبلغ ذلك اليهود فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئًا إلا خالفنا فيه، فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر فقالا: يا رسول اللَّه إن اليهود تقول كذا وكذا أفلا نجامعهن؟ فتغير وجه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى ظننا أنه قد وجد عليهما فخرجا فاستقبلهما هدية من لبن إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فأرسل في آثارهما فسقاهما، فعرفا أن لم يجد عليهما. (٤)

الوجه الثالث: الأحاديث الثابتة عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- تؤكد حرمة جماع الحائض.

١ - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اصنعوا كل شيء إلا النكاح". (٥)


(١) روح المعاني للآلوسي (١/ ١٢٢).
(٢) تفسير المنار (٢/ ٣٦٠).
(٣) رواه مسلم (٣٠٢).
(٤) قال النووي في شرح مسلم (٢/ ٢١٦): لم يجامعوهن في البيوت أي لم يساكنونهن، في بيت واحد.
(٥) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>