للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[اختلاف العلماء في معرفة وجه الإعجاز في القرآن]

قال ابن سراقة: اختلف أهل العلم في وجه إعجاز القرآن، فذكروا في ذلك وجوهًا كثيرةً، كلها حكمة وصواب، وما بلغوا في وجوه إعجازه جزءًا واحدًا من عشر معشاره. (١)

[أنواع الإعجاز]

قال ابن تيمية: وكون القرآن أنه معجزة، ليس هو من جهة فصاحته، وبلاغته فقط، أو نظمه وأسلوبه فقط، ولا من جهة إخباره بالغيب فقط، ولا من جهة صرف الدواعي عن معارضته فقط، ولا من جهة سلب قدرتهم على معارضته فقط؛ بل هو آية بينة معجزة من وجوه متعددة، من جهة اللفظ، ومن جهة النظم، ومن جهة البلاغة في دلالة اللفظ على المعنى، ومن جهة معانيه التي أخبر بها عن الله تعالى، وأسمائه، وصفاته وملائكته وغير ذلك، ومن جهة معانيه التي أخبر بها عن الغيب الماضي، وعن الغيب المستقبل، ومن جهة ما أخبر به عن المعاد، ومن جهة ما بيّن فيه من الدلائل اليقينية، والأقيسة العقلية، التي هي الأمثال المضروبة كما قال تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا} [الإسراء: ٨٩]. (٢)

[كيفية الوقوف على إعجاز القرآن.]

قال الباقلاني: قد لا يتهيأ لمن كان لسانه غير العربية من العجم، والترك، وغيرهم، أن يعرفوا إعجاز القرآن، إلا بأن يعلموا أن العرب قد عجزوا عن ذلك؛ فإذا عرفوا هذا - بأن علموا، أنهم قد تحدّوا إلى أن يأتوا بمثله، وقُرِّعوا على ترك الإتيان بمثله، ولم يأتوا به - تبيّنوا أنهم عاجزون عنه، وإذا عجز أهل ذلك اللسان، فهم عنه أعجز، وكذلك نقول إن من كان من أهل اللسان العربي - إلا أنه ليس يبلغ في الفصاحة الحد الذي يتناهى إلى معرفة أساليب الكلام ووجوه تصرف اللغة، وما يعدّونه فصيحًا بليغًا بارعًا من غيره - فهو كالأعجمي، في أنه لا يمكنه أن يعرف إعجاز القرآن، إلا بمثل ما بيّنا أن يعرف به


(١) الإتقان في علوم القرآن ٢/ ٣٢١.
(٢) الجواب الصحيح ٥/ ٤٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>