للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١ - قوله تعالى: {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ} أي لم تكن تعرف الطريق إلى الإيمان. وظاهر هذا يدل على أنه ما كان قبل الإيحاء متصفًا بالإيمان.

والرد على ذلك من وجوه:

[الوجه الأول: عصمة الأنبياء قبل البعثة من الشرك والجهل بالله تعالى كما تقرر]

قال القاضي عياض: وأما عصمتهم من هذا الفن قبل النبوة، فالصواب أنهم معصومون قبل النبوة من الجهل بالله، وصفاته والتشكك في شيء من ذلك.

وقد تعاضدت الأخبار، والآثار عن الأنبياء بتنزيههم عن هذه النقيصة منذ وُلدُوا، ونشأتهم على التوحيد والإيمان، بل على إشراق أنوار المعارف، ونفحات ألطاف السعادة، ومن طالع سيرهم منذ صباهم إلى مبعثهم، حقق ذلك، كما عرف من حال موسى، وعيسى، ويحيى، وسليمان، وغيرهم عليهم السلام.

ولم ينقل أحد من أهل الأخبار أن أحدًا، نُبئ واصطفي ممن عرف بكفر وإشراك، قبل ذلك. ومستند هذا الباب النقل، وقد استدل بعضهم بأن القلوب تنفر عمن كانت هذه سبيله.

وأنا أقول - عياض -: إن قريشًا قد رمت نبينا - صلى الله عليه وسلم - بكل ما افترته، وعير كفار الأمم أنبياءها بكل ما أمكنها واختلقته، مما نص الله عليه أو نقلته إلينا الرواة، ولم نجد في شيء من ذلك تعييرًا لواحد منهم برفضه آلهتهم وتقريعه بذمه بترك ما كان قد جامعهم عليه، ولو كان هذا لكانوا بذلك مبادرين، وبِتَلَونِه في معبوده محتجين، ولكان توبيخهم له بنهيهم عما كان يعبد قبل أفظع وأقطع في الحجة من توبيخه بنهيهم عن تركه آلهتهم، وما كان يعبد آباؤهم من قبل، ففي إطباقهم على الإعراض، عنه دليل على أنهم لم يجدوا سبيلًا إليه، إذ لو كان لنقل وما سكتوا عنه، كما لم يسكتوا عن تحويل القبلة وقالوا {مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} (البقرة: ١٤٢) كما ذكره الله عنهم (١).

الوجه الثاني: هل كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل البعثة متعبدًا بشرع أم لا؟


(١) الشفا ٢/ ٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>