النظم في القرآن لا يختلف باختلاف أغراضه من قصص ومواعظ، خلافًا لكلام البشر:
قال الباقلاني: فإن عجيب نظمه، وبديع تأليفه لا يتفاوت، ولا يتباين على ما يتصرف إليه من الوجوه التي يتصرف فيها من ذكر قصص ومواعظ واحتجاج وحكم وأحكام وإعذار وإنذار ووعد ووعيد وتبشير وتخويف وأوصاف وتعليم أخلاق كريمة وشيم رفيعة وسير مأثورة، وغير ذلك من الوجوه التي يشتمل عليها.
ونجد كلام البليغ الكامل، والشاعر المفلق، والخطيب المصقع يختلف على حسب اختلاف هذه الأمور. فمن الشعراء من يجود في المدح دون الهجو، ومنهم من يبرز في الهجو دون المدح، ومنهم من يسبق في التقريظ دون التأبين، ومنهم من يجود في التأبين دون التقريظ، ومنهم من يغرب في وصف الإبل أو الخيل أو سير الليل أو وصف الحرب أو وصف الروض أو وصف الخمر أو الغزل أو غير ذلك مما يشتمل عليه الشعر ويتناوله الكلام. ولذلك ضرب المثل بامرئ القيس إذا ركب، والنابغة إذا رهب، وبزهير إذا رغب، ومثل ذلك يختلف في الخطب والرسائل، وسائر أجناس الكلام.
ومتى تأملت شعر الشاعر البليغ؛ رأيت التفاوت في شعره على حسب الأحوال التي يتصرف فيها فيأتي بالغاية في البراعة في معنًى، فإذا جاء إلى غيره قصر عنه ووقف دونه وبان الاختلاف على شعره. ولذلك ضرب المثل بالذين سمّيتهم، لأنه لا خلاف في تقدمهم في صنعة الشعر، ولا شك في تبريزهم في مذهب النظم؛ فإذا كان الاختلال يتأتّي في شعرهم لاختلاف ما يتصرفون فيه؛ ستغنينا عن ذكر من هو دونهم. وكذلك يُستغنى به عن تفصيل نحو هذا في الخطب والرسائل ونحوها، ثم نجد من الشعراء من يجود في الرجز ولا يمكنه نظم القصد أصلا، ومنهم من ينظم القصيد، ولكن يقصر تقصيرًا عجيبًا، ويقع ذلك من رجزه موقعًا بعيدًا، ومنهم من يبلغ في القصيدة الرتبة العالية، ولا ينظم الرجز أو يقصر فيه مهما تكلفه أو تعمله. ومن الناس من يجود في الكلام المرسل فإذا أتى بالموزون قصر ونقص نقصانًا بيّنًا ومنهم من يوجد بضد ذلك.