للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يمنعهم أن يعذبهم الله وهم لا يستغفرون الله من كفرهم، فيؤمنوا به، وهم يصدون المؤمنين بالله ورسوله عن المسجد الحرام.

وإنما قلنا هذا القول أولى بالأقوال في ذلك بالصواب؛ لأن القوم - أعني مشركي مكة - كانوا استعجلوا العذاب فقالوا: اللهم إن كان ما جاء به محمد هو الحق، فأمطر علينا حجارة من السماء، أو ائتنا بعذاب أليم، فقال الله لنبيه: ما كنت لأعذبهم وأنت فيهم، وما كنت لأعذبهم لو استغفروا، وكيف لا أعذبهم بعد إخراجك منهم، وهم يصدون عن المسجد الحرام، فأعلمه جل ثناؤه أن الذين استعجلوا العذاب حائق بهم ونازل، وأعلمهم حال نزوله بهم، وذلك بعد إخراجه إياه من بين أظهرهم، ولا وجه لإبعادهم العذاب في الآخرة، وهم مستعجلوه في العاجل، ولا شك أنهم في الآخرة إلى العذاب صائرون؛ بل في تعجيل الله لهم ذلك يوم بدر الدليل الواضح على أن القول في ذلك ما قلنا (١).

قال ابن الجوزي: المعنى: لو استغفروا لما عذبهم الله، ولكنهم لم يستغفروا فاستحقوا العذاب، وهذا كما تقول العرب: ما كنت لأهينك وأنت تكرمني؛ يريدون ما كنت لأهينك لو أكرمتني، فأما إذا لست تكرمني، فإنك مستحق لإهانتي (٢).

الوجه الثاني: أن المراد بقوله {يَسْتَغْفِرُونَ} استغفار المؤمنين المستضعفين بمكة.

فلما هاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - وخرج المؤمنون الذين كانوا يستغفرون وبسببهم دفع العذاب، استحق الكفار العذاب بقوله: {وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}.

قال ابن الجوزي: وما كان الله معذبهم يعني المشركين وهم - يعني المؤمنين الذين بينهم - يستغفرون، قال ابن الأنباري: وصفوا بصفة بعضهم؛ لأن المؤمنين بين أظهرهم، فأوقع العموم على الخصوص كما يقال قتل أهل المسجد رجلًا، وأخذ أهل البصرة فلانًا، ولعله لم يفعل ذلك إلا رجل واحد (٣).


(١) تفسير الطبري (٦/ ٢٣٨).
(٢) زاد المسير (٣/ ٣٢٠).
(٣) زاد المسير (٣/ ٣٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>