للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشبهة الحادية عشر: المتعلقة: بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنا أمة أمية لا نحسب ولا نكتب الشهر هكذا وهكذا".

قالوا بأن هذا الحديث لا يفيد كدليل لإثبات أمية محمد - صلى الله عليه وسلم - لاختلاف معاني لفظة (أمِّي) في كتب فمنها: أي إنهم على أصل ولادة أمهم لم يتعلموا الكتابة والحساب، فهم على جبلتهم الأولى.

وقيل للعرب الأميون؛ لأن الكتابة كانت فيهم عزيزة أو عديمة.

وقيل الأمية الغفلة والجهالة، فالأمي منه، وذلك هو قلة المعرفة.

الرد على ذلك من وجوه:

[الوجه الأول: القرآن محفوظ في الصدور فلا يحتاجون إلى كتاب]

عن سعيد بن عمرو بن سعيد أنه سمع ابن عمر - رضي الله عنه - يحدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا، وهكذا، وهكذا، وعقد الإبهام في الثالثة والشهر هكذا، وهكذا يعني تمام ثلاثين" (١).

وهذا يشبه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "بعثت إلى أمة أمية" (٢).

قال ابن تيمية: لما نزل القرآن على العرب لم يبقوا أمِّيين باعتبار أنهم لا يقرؤون كتابًا من حفظهم؛ بل هم يقرؤون القرآن من حفظهم، وأناجيلهم في صدورهم، لكن بقوا أميين باعتبار أنهم لا يحتاجون إلى كتابة دينهم، بل قرآنهم محفوظ في قلوبهم، كما في الصحيح عن عياض بن حمار المجاشعي، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "خلقت عبادي يوم خلقتهم حنفاء - وقال فيه - إني مبتليك ومبتل بك، وأنزلت عليك كتابًا لا يغسله الماء تقرؤه نائمًا ويقظانًا"، فأمتنا ليست مثل أهل الكتاب الذين، لا يحفظون كتبهم في قلوبهم، بل لو عدمت المصاحف كلها كان القرآن محفوظًا في قلوب الأمة، وبهذا الاعتبار، فالمسلمون أمة أمية بعد نزول القرآن وحفظه، كما في الصحيح عن ابن عمر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إنا أمة أمية لا نحسب ولا


(١) البخاري (١٩١٣)، مسلم (١٠٨٠)، واللفظ له.
(٢) رواه الترمذي (٢٩٤٤)، أحمد (٥/ ٤٠٠)، قال الترمذي: حسن صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>