للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال المارودي: وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْإِجَارَةِ فَالمُعْنَى فِيهِمَا: أَنَّهَا لَا تَصِحُّ مُؤَبَّدَةً، فَصَحَّتْ مُؤَقَّتَةً، وَالنِّكَاحُ لمَّا صَحَّ مُؤَبَّدًا لَمْ يَصِحَّ مُؤَقَّتًا. (١)

[الوجه الرابع: الرد على بعض الشبهات التي استدلوا بها على إباحة نكاح المتعة.]

[الشبهة الأولى: قالوا بأن عمر هو الذي حرم المتعة من نفسه]

واحتجوا علي ذلك بالآتي:

عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه فَأَتَاهُ آتٍ فَقَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ اخْتَلَفَا فِي الْمُتْعَتَيْنِ فَقَالَ جَابِرٌ: فَعَلْنَاهُمَا مَعَ رَسُولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ثُمَّ نَهَانَا عَنْهُمَا عُمَرُ فَلَمْ نَعُدْ لَهُمَا (٢).

قَالَ عُمَرُ -رضي اللَّه عنه-: مُتْعَتَانِ كَانَتَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنْهَى عَنْهُمَا: مُتْعَةُ الْحَجِّ، وَمُتْعَةُ النِّسَاءِ (٣).

والجواب عليه من هذه الوجوه:

الوجه الأول: نهي عمر موافق لنهي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-

فإن عمر -رضي اللَّه عنه- لم يحرمه من نفسه؛ وإنما بسنة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لمَّا وَلِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أَذِنَ لَنَا فِي الْمُتْعَةِ ثَلَاثًا ثُمَّ حَرَّمَهَا، وَاللَّه لَا أَعْلَمُ أَحَدًا تَمَتَّعَ وَهُوَ مُحْصَنٌ إِلَّا رَجَمْتُهُ بِالْحِجَارَةِ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَنِي بِأَرْبَعَةٍ يَشْهَدُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّه أَحَلَّهَا بَعْدَ إِذْ حَرَّمَهَا (٤).

فالفاروق رضوان اللَّه عليه نهى عن هذا النكاح بعد أن تأكد من نهيُ وتحريمُ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- له. وليس هذا بتشريع من عنده، بل هو مُبَلّغ ومُنَفّذ لنهي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-.

وفي تهديد عمر -رضي اللَّه عنه- برجم المحصن الذي باشر هذا النكاح بعد علمه بالتحريم، دليلٌ على ثبوت نهي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عنها عنده، وعلمه به. وإلّا فما كان هو الملقّب بالفاروقِ


(١) الحاوي (١١/ ٤٥٥).
(٢) أخرجه مسلم (١٤٠٥).
(٣) مستخرج أبي عوانة (٢٧٠٩)، وشرح معاني الآثار (٢/ ١٤٦).
(٤) أخرجه ابن ماجه (٦٣٠)، وصحح إسناده ابن حجر كما في تلخيص الحبير (٢/ ٢٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>