النصارى يزعمون أن آدم لما أكل من الشجرة غضب الرب عليه وعاقبه وأن تلك العقوبة بقيت في ذريته إلى أن جاء المسيح وصلب وأنه كانت الذرية في حبس إبليس، فمن مات منهم ذهبت روحه إلى جهنم في حبس إبليس حتى قالوا ذلك في الأنبياء: نوح، وإبراهيم، وموسى، وداود، وسليمان، وغيرهم، ومعلوم أن إبراهيم كان أبوه كافرًا ولم يؤاخذه الله بذنب أبيه، فكيف يؤاخذه بذنب آدم وهو أبوه الأبعد؟ ، هذا لو قدر أن آدم لم يتب فكيف وقد أخبر الله عنه بالتوبة؟ ثم يزعمون أن الصلب الذي هو من أعظم الذنوب والخطايا به خلص الله آدم وذريته من عذاب الجحيم وبه عاقب إبليس مع أن إبليس ما زال عاصيًا لله مستحقًا للعقاب من حين امتنع من السجود لآدم ووسوس لآدم إلى حين مبعث المسيح والرب قادر على عقوبته وبنو آدم لا عقوبة عليهم في ذنب أبيهم، فمن ثم أضحى قولهم مثل هذه الخرافات مضاحك العقلاء، والتي لا تصلح أن تضاف إلى أجهل الملوك وأظلمهم، فكيف يدعون مع هذ! أنهم يصفون الله بالعدل؟ .
وإن قيل: إن عدل الرب ليس كعدل المخلوقين بل من عدله أن لا ينقص أحدًا من حسناته ولا يعاقبه إلا بذنبه لم يجز حينئذ أن يعاقب ذرية آدم بذنب أبيهم، ولم يجز أن يعاقب الأنبياء الذين ليس لهم ذنب إلا ذنبًا تابوا منه بذنب غيرهم، فإن الأنبياء معصومون أن يقروا على ذنب فكل من مات منهم مات وليس له ذنب يستحق عليه العقوبة فكيف يعاقبون بعد الموت بذنب أبيهم إن قدر أنه مات مصرًا على الذَّنْبَ؛ مع أن هذا تقدير باطل ولو قدر أن الأنبياء لهم خطايا يستحقون بها العقوبة بعد الموت وتسليط إبليس على عقوبتهم مع أن هذا تقدير باطل فمن بعد المسيح من غير الأنبياء أولى بذلك فكيف يجوز في العدل الذي يوجب التسوية بين المتماثلين عقوبة الأنبياء ومنع عقوبة من هو دونهم بل من هو من الكفار؟ (١).
الوجه الثالث: أليس في تحميل البشر ذنبًا لم يرتكبوه ظلم لهم؟
من العقائد المسيحية المرفوضة إسلاميًا، وذلك لأن الخطيئة كما يعتقدون بدأت بآدم، وأن آدم في خطيئته كان نائيًا عن كل نسله في الخطيئة، أي أن النسل الذين لم يكونوا قد