بالفساد في الأرض، وخصوصًا في الكوفة التي خرج منها جزء من أصحاب الفتنة على عثمان، فإن كان عثمان سمح بشيء من التسامح في مثل هذا القبيل الذي انتهى بمقتله، وجرّ على الأمة عظائم الفتن حتى كلّفها ذلك من الدماء أنهارًا.
فإن معاوية أراد قطع دابر الفتنة من منبتها بقتل حجر وجميع الحكومات لا تعاقب على هذا الفعل الذي قام به حجر بأقل من القتل، وأما سعة صدر معاوية وحلمه فهو فيما إذا كان الخطأ في شخصه أما إذا كان حق الجماعة فلا ولاسيما في الكوفة التي أخرجت العدد الأكبر من أهل الفتنة الذين بغوا على عثمان بسبب مثل هذا التسامح فكبدا الأمة من دمائها وسمعتها ما كانت في غنى عنه لو أن هيبة الدولة حفظت بتأديب عدد قليل من أهل الرعونة والطيش في الوقت الناسب، وكما أن عائشة كانت تود لو أن معاوية شمل حجرا بسعة صدره إلا أن معاوية مع حلمه كان في مواقف الحكم يتبصر في عاقبة عثمان وما جر إلى تمادي الذين اجترءوا عليه. (١)
[الوجه الثاني: أن معاوية إمام مجتهد، والأصل أن قتل الإمام بحق]
قال ابن العربي: فإن قيل فقد قتل حجر بن عدي وهو من الصحابة مشهور بالخير صبرًا أسيرًا بقول زياد وبعثت إليه عائشة في أمره فوجدته قد فات بقتله، قلنا: قد علمنا قتل حجر كلنا واختلفنا، فقائل يقول: قتله ظلمًا، وقائل يقول: قتله حقًّا.
فإن قيل: الأصل قتله ظلمًا إلا ما إذا ثبت عليه ما يوجب قتله، قلنا: الأصل أن قتل الإمام بالحق فمن ادعى أنه بالظلم فعليه الدليل، ولو كان ظلمًا محضًا لما بقي بيت إلا لعن فيه معاوية وهذه مدينة السلام دار خلافة بني العباس وبينهم وبين بني أمية ما لا يخفى على الناس، مكتوب على أبواب مساجدها خير الناس بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم معاوية خال المؤمنين -رضي الله عنهم-.
(١) بمعناه من تعليق الخطيب على العواصم من القواصم (٢١٩).