للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن عبد الرحمن بن يزيد قال: كان عبد الله بن مسعود يمكث السَّنَةَ لا يقول قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: فإذا قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ أخذته الرعدة ويقول: أو هكذا، أو نحوه، أو شبهه. (١)

وقال -صلى الله عليه وسلم-: "نضر الله امرءًا سمع مقالتي فوعاها، فأداها كما سمعها؛ فرب مبلغ أوعى من سامع، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه. (٢) ".

ومنعه المحدثون والفقهاء، وشددوا فيه، ولم يجيزوا ذلك لأحد، ولا سوَّغوا إلا الإتيان به على اللفظ نفسه في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- وغيره، وروى نحوه عن مالك أيضا، وشدد مالك الكراهية فيه في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-، وروى عنه في سماع أشهب: أما في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- فأحب إلى أن يؤتى به على ألفاظه، ورخص فيه في حديث غيره، وفى التقديم والتأخير، وفى الزيادة والنقص.

فكان مالك يتقى في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الباء والتاء ونحوهما، ويقول: أما حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فأحب أن يؤتى به على ألفاظه.

وما قاله -رحمه الله- الصواب، فإن نظر الناس مختلف، وأفهامهم متباينة، وفوق كل ذي علم عليم، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه" فإذا أدى اللفظ؛ أمن الغلط، واجتهد كل من بلغ إليه فيه، وبقى على حاله لمن يأتي بعدن وهو أنزه للراوي، وأخلص للمحدث. (٣)

الوجه الثالث: شروط وضوابط رواية الحديث بالمعنى -عند مَن جَوَّزها-.

اختلف السلف وأرباب الحديث والفقه والأصول: هل يسوغ ذلك لأهل العلم فيحدثون على المعنى، أولا يباح لهم ذلك؟ (٤)

قال ابن القيم: إذا أراد رواية ما سمعه على معناه دون لفظه فإن لم يكن عالمًا بالألفاظ ومقاصدها، خبيرًا بما يحيل معانيها، بصيرًا بمقادير التفاوت بينها، فلا خلاف أنه لا يجوز


(١) أخرجه الرامهرمزي في المحدث الفاصل (ص: ٥٤٩).
(٢) أخرجه ابن ماجه (٢٣٠)، وصححه الألباني.
(٣) الإلماع (١/ ١٧٨).
(٤) الإلماع (١/ ١٨٠: ١٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>