للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

له ذلك، بل يتعين رواية اللفظ الذي سمعه منه، فإن كان عالمًا بذلك فأقوال:

أحدها: المنع أيضًا، وبه قالت طائفة من المحدثين والأصوليين والفقهاء.

وثانيها: لا يجوز في حديثه -صلى الله عليه وسلم-، ويجوز في غيره.

وأصحها عند جمهورهم: الجواز إذا قطع بأداء المعنى، وهو الذي يشهد به أحوال الصحابة والسلف (١).

قال الخطيب البغدادي: ورواية حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وحديث غيره على المعنى جائزة عندنا إذا كان الراوي عالمًا بمعنى الكلام وموضوعه، بصيرًا بلغات العرب ووجوه خطابها، عارفًا بالفقه واختلاف الأحكام، مميزًا لما يحيل المعنى وما لا يحيله، وكان المعنى أيضا ظاهرًا معلومًا، وأما إذا كان غامضا محتملًا؛ فإنه لا يجوز رواية الحديث على المعنى، ويلزم إيراد اللفظ بعينه وسياقه على وجهه، وقد كان في الصحابة رضوان الله عليهم من يتبع روايته الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن يقول: أو نحوه، أو شكله، أو كلما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والصحابة أرباب اللسان، وأعلم الخلق بمعاني الكلام، ولم يكونوا يقولون ذلك إلا تخوفًا من الزلل؛ لمعرفتهم بما في الرواية على المعنى من الخطر، والله أعلم (٢).

- فيتلخص من ذلك شروط رواية الحديث بالمعنى وهي:

١ - أن يكون الراوي عالمًا وفاهمًا لمعنى الحديث.

٢ - أن يكون الراوي عالمًا بلغات العرب، ومرادفات الألفاظ، وتراكيب الجُمل.

٣ - أن يكون عالمًا بالفقه، واختلاف الأحكام؛ حتى يميز بين ما تحمله الألفاظ من معانٍ.

٤ - أن يكون مميزًا لما يحيل معاني الألفاظ والتراكيب؛ فلا يبدل عامًا بخاص، ولا مطلقًا بمقيد، ولا خفيًا بجلي ...... إلخ.


(١) المقنع في علوم الحديث (١/ ٣٧٢).
(٢) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي (٣/ ٢٦١ - ٢٧٤)، وانظر: مقدمة ابن الصلاح (١/ ١٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>