للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عائشة رضي اللَّه عنها: قَالَتْ: "مَا خُيِّرَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَأْثَمْ، فَإِذَا كَانَ الإِثْمُ كَانَ أَبْعَدَهُمَا مِنْهُ، وَاللَّه مَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ في شَيْءٍ يؤْتَى إِلَيْهِ قَطُّ، حَتَّى تُنْتَهَكَ حُرُمَاتُ اللَّه، فَيَنْتَقِمُ للَّهِ" (١).

فكان -صلى اللَّه عليه وسلم- لا ينتقم لنفسه، بل كان ينتقم لحرمات اللَّه عز وجل، فلا فرق بين شريف ووضيع، ولا غني ولا فقير، ولا قريب ولا بعيد. فعن عبادة بن الصامت -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَقِيمُوا حُدُودَ اللَّه في الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ وَلَا تَأْخُذْكُمْ فِي اللَّه لَوْمَةُ لَائِمٍ. (٢)، وحديث المرأة المخزومية أكبر دليل على ذلك في تعظيم حرمات اللَّه، فقال -صلى اللَّه عليه وسلم- "وَايْمُ اللَّه لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا" (٣).

[الحدود كفارة للآثام]

عن عبادة بن الصامت -رضي اللَّه عنه- قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في مَجْلِسٍ فَقَالَ: "تُبَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّه شَيْئًا، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّه إِلَّا بِالْحَقِّ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّه، وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَعُوقِبَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَسَتَرَهُ اللَّه عَلَيْهِ فَأَمْرُهُ إِلَى اللَّه إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ" (٤).

قال النووي: وفي هذا الحديث فوائد: ومنها: أن من ارتكب ذنبًا يوجب الحد، فحُدّ سقط عنه الإثم (٥).

قال القاضي عياض: قال أكثر العلماء: الحدود كفارة. استدلالًا بهذا الحديث. (٦)


(١) أخرجه البخاري (٦٧٦٨).
(٢) أخرجه ابن ماجه (٢٥٤٠)، وانظر صحيح سنن ابن ماجه للألباني (٢٠٥٦)، والسلسلة الصحيحة (٦٧٠، ١٩٤٢)، والمشكاة (٣٥٨٧)، وقال الشيخ الألباني: حديث حسن.
(٣) سبق تخريجه.
(٤) أخرجه البخاري (٨)، ومسلم (١٧٠٩).
(٥) مسلم بشرح النووي (٦/ ٢٤٠).
(٦) المصدر السابق، وفتح الباري (١/ ٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>