للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الباقلاني: القرآن الذي هو متلو محفوظ مرسوم في المصاحف هو الذي جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنه هو الذي تلاه على من في عصره ثلاثًا وعشرين سنةً. (١)

[الوجه الثامن والعشرون: إعجاز القرآن في عدم المجيء بمثله، وتحديه للبشر.]

قال الرماني: وجوه إعجاز القرآن تظهر من جهات ترك المعارضة مع توفر الدواعي وشدة الحاجة والتحدّي للكافة. (٢)

فجعل الله عجز الجن والإنس عن الإتيان بمثله دليلًا على أنه منه، ودليلًا على وحدانيته. وذلك يدلّ عندنا على بطلان قول من زعم أنه لا يمكن أن تُعلم بالقرآن الوحدانية، وزعم أن ذلك مما لا سبيل إليه إلا من جهة العقل؛ لأن القرآن كلام الله - عز وجل -، ولا يصح أن يعلم الكلام حتى يعلم المتكلم أولًا.

فقلنا: إذا ثبت بما نبينه إعجازه، وأن الخلق لا يقدرون عليه - ثبت أن الذي أتى به غيرهم، وأنه إنما يختص بالقدرة عليه من يختص بالقدرة عليهم، وأنه صدق، وإذا كان كذلك كان ما يتضمنه صدقًا، وليس إذا أمكن معرفته من جهة العقل امتنع أن يعرف من طريق القرآن؛ بل يمكن عندنا أن يعرف من قوله - عز وجل -: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: ٨٨]، وقوله: {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ (٣٣) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (٣٤)} [الطور: ٣٣, ٣٤]، فقد ثبت بما بيناه أنه تحدّاهم إليه ولم يأتوا بمثله.

وفي هذا أمران: أحدهما: التحدّي إليه، والآخر: أنهم لم يأتوا له بمِثلٍ، والذي يدل على ذلك النقل المتواتر الذي يقع به العلم الضروري فلا يمكن جحود واحد من هذين الأمرين. (٣)

* * *


(١) إعجاز القرآن للباقلاني ١/ ١٨، ١٩.
(٢) الإتقان في علوم القرآن ٢/ ٣٢٣.
(٣) إعجاز القرآن للباقلاني ١/ ١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>