للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الوجه الخامس]

إن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - حتى ولو أنه قابل ورقة أو غيره فمع ذلك لم يتخذهم قدوة له يأتمر بأمرهم وينتهي بنهيهم، ولم يكن هو كالتلميذ وهم كالمعلِّمين؛ قال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: ٩٠]. فهذه الآية أَمرٌ من الله لنبيه بأن يهتدي بهُدى الأنبياء من قبله، فقبل هذه الآية ذكر الله عددًا منهم: كنوح، وإبراهيم، وإسماعيل، وغيرهم، فالسؤال كيف يقتدي بهم وقد ماتوا؟ !

والإجابة: وذلك بأن يتتبع أحوالهم وأخبارهم في القرآن، فقد لا يجد المرء أفضل من الاقتداء بسيرة الأموات؛ فإنه لا يُؤمَن على حي فتنة، فكما تزعمون أن ورقة له تأثير عظيم في حياة محمد - صلى الله عليه وسلم - فكان يقتدي به ويأتمر لأمره، فلماذا لم يُذكر ورقة ضمن الذين أُمر محمد بالاقتداء بهم فهذا من باب رد الفضل لأهل الفضل؟ ! .

فإن قلتم: إن ورقة كان يُخفي شخصيته، قلنا: فهذا دليل على أن ورقة يخطط لأمورٍ يخاف المجتمع منها سواءً كان حكامًا أو محكومين، والعجيب أنكم تدَّعون أن ورقة كانت له كلمة مسموعة في مكة وغيرها، وتدَّعون أن مجتمع الجزيرة العربية كانت النصرانية منتشرة في معظم أنحائه، فلماذا يخطط بهذه السرية؟ ! .

قال ابن عاشور: لم يسبق للنّبي - صلى الله عليه وسلم - اقتداء بأحد ممّن تحنّفوا في الجاهليّة أو تنصَّروا أو تهوّدوا، فقد لقي النّبي - صلى عليه وسلم - زيدَ بن عَمْرو بن نُفَيْلٍ قبل النّبوءة في بَلْدَح، وعَرض عليه أن يأكل معه من سُفْرته، فقال زيد: (إنِّي لا آكل ممّا تذبحون على أنصابكم) توهّمًا منه أنّ النبي يدين بدين الجاهليّة، وألهم الله محمّدًا السكوت عن إجابته إلهامًا لحفظ السِرّ المدَّخر، فلم يقل له: إنّي لا أذبح على نُصُب. ولقي ورقةَ بن نوفل غير مرّة بمكّة، ولَقِي بحيرا الرّاهبَ، ولم يقتد بأحد من أولئك، وبقي على الفطرة إلى أن جاءته الرّسالة (١).

الوجه السادس: أين باقي تلاميذ ورقة؟


(١) التحرير والتنوير ٥/ ٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>