للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - وأما كونها فعلت ذلك بسودة فهذا أمر طبيعي عادي بين الضرائر، ولك أن تلاحظ أدبها الجَمَّ مع النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما سكتت حتى لطخت سودة وجهها، وهذا يبين أنها غالبًا كانت تمزح معها فرضي الله عنهما، ولذلك ترجمه الحافظ ابن حجر (١) بقوله: باب المزاح؛ حديث عائشة في تلطيخها وجه سودة بالخزيرة.

وقال الحافظ العراقي: أخرجه الزبير بن بكار في كتاب الفكاهة، وذكره الغزالي في الإحياء في باب المزاح، ووضعه الشامي في سبل الهدى والرشاد في باب مزاحه ومداعبته -صلى الله عليه وسلم-. (٢)

٣ - وأما سودة فهذه منقبة عظيمة لها حيث أمرها النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تفعل بعائشة مثل ما فعلت بها رغم حبه لعائشة -رضي الله عنها- ولكنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يُظلم عنده أحد ولو في أمر هين كهذا، ولو ممن يحب كعائشة، ولو كان المظلوم زوجة مسنة كسودة -رضي الله عنها-.

٤ - أما النبي -صلى الله عليه وسلم- فيتيح لهن أن ينفذن شيئًا من غيرتهن بحيث لا يتجاوزن الحد المشروع، ويضفي على سلوكهن ذلك المرح والابتسامة، وهذا الحديث من هذا القبيل.

الرواية الرابعة: قال الجرجاني: روي أن سودة أنشدت: عدي وتيم تبتغي من تحالف (٣).

فظنت عائشة وحفصة أنها عرضت بهما، وجرى بينهن كلام في هذا المعنى، فأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فدخل عليهن وقال: "يا ويلكن، ليس في عديكن ولا تيمكن قيل هذا، وإنما قيل في عدي تميم وتيم تميم". (٤)

فهذه قصة لا أصل لها ولا عبرة بمثل هذا. والله أعلم.

فثبت بطلان ما زعموه في العلاقة بين عائشة وسودة بما سبق والحمد لله.


(١) المطالب العالية ٨/ ٢٦٨.
(٢) المغني على هامش الإحياء ٤/ ٢١٦.
(٣) وتمام هذا الشعر وهو لقيس بن معدان الكلبي من بني يربوع:
فحالف ولا والله تهبط تلعة ... من الأرض إلا أنت للذل عارف
ألا من رأى العبدين أو ذكرا له ... عدي وتيم تبتغي من تحالف.
(٤) دلائل الإعجاز للجرجاني ١/ ٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>