أميته كحجة دامغة على مصدر رسالته السماوية، فلا يخالج نفسية المؤمن شك ولو بسيط أنه قد جاء بشيء من عنده، وسبحان من وسعت حكمته كل شيء.
فمفهوم ثقافة الأنبياء العالية، وإن كان القرآن لم يشر إليه من قريب أو من بعيد، لا نعترض عليه، ولكن مفهوم أمية محمد - صلى الله عليه وسلم - لا يقلل من نبوته، وإن كانت الأمية في حد ذاتها نقص، يتنزه عنه العوام، كذلك لا يقلل من تفضيل الله تعالى له عن العالمين؛ فتفضيله واجتبائه إياه - صلى الله عليه وسلم - كان بأنه يحمل ختام الشرائع ونهاية رسالات السماء إلى بني أدم، وإن ذلك النبي الأمي هو الذي رسم النهج الذي سار عليه من بعده الملايين والملايين من عباد الله، على اختلاف طبقاتهم وألسنتهم وألوانهم، وهذا ما لم يحدث مع أحد من العالمين سواه.
الوجه الرابع: الذي أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - لم يكن كتابا مقرؤًا بل كلامًا مسموعًا ألقاه جبريل على نبيه - صلى الله عليه وسلم - فأين هذا الكتاب الذي تدعون أنه قرأ منه.
قالوا: هذه الآية لا تحتاج إلى تفسير، بل تكون قرينة لوضوحها على فهم بقية الآيات الأخرى حيث قال:{وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ} ثم أتبعها لبيان ذلك وسبب الأمية هي لا يعلمون الكتاب إلا أماني. وهذا هو المعنى الثاني للأمية، ومنه يفهم قوله:{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}. فالأميون الذين لم يطلعوا على كتاب من قبل، ولم يأتهم نبي بتعاليم، وكونه منهم أي من هؤلاء أي من أنفسهم لا غريب عليهم مثل قوله {الْأُمِّيَّ} فنسبة الأمية إليه باعتباره من هؤلاء.