إن هذا كلام ساقط يظهر سقوطه لكل عاقل؛ لأن الخصام والمشاغبة بين أفراد أهل البيت لا انفكاك عنه البتة، فيقع بين الرجل وأمه، وبينه وبين أبيه، وبينه وبين أولاده، وبينه وبين زوجته الواحدة، فهو أمر عادي ليس له كبيرُ شأن، وهو في جنب المصالح العديدة العظيمة التي ذكرنا في تعدد الزوجات؛ من صيانة النساء وتيسير التزويج لجميعهن وكثرة عدد الأمة لتقوم بعددها الكبير في وجه أعداء الإسلام لأن المصلحة العظمى يقدم جلبها على المفسدة الصغرى، فلو فرضنا أن المشاغبة المزعومة في تعدد الزوجات مفسدة، أو أن إيلام قلب الزوجة الأولى بالضرة الثانية مفسدة، لقدمت عليها تلك المصالح الراجحة التي ذكرنا كما هو معروف في الأصول.
فالقرآن الكريم أباح تعدد الزوجات لمصلحة المرأة في عدم حرمانها من الزواج ولمصلحة الرجل بعدم تعطيل منافعه في حال قيام العذر بالمرأة الواحدة، ولمصلحة الأمة فيكثر عددها فيمكنها مقاومة عدوها لتكون كلمة اللَّه هي العليا؛ فهو تشريع حكيم خبير لا يطعن فيه إلا من أعمى اللَّه بصيرته بظلمات الكفر، وتحديد الزوجات بأربع تحديد من حكيم خبير؛ وهو أمر وسط بين القلة المفضية إلى تعطيل منافع الرجال؛ وبين الكثرة التي هي مظنة عدم القدرة على القيام بلوازم الزوجية للجميع؛ والعلم عند اللَّه تعالى. (١)
[الشبهة السابعة.]
يقول المعترض: لماذا لم يوافق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على زواج علي بن أبي طالب من ابنة أبي جهل؟
ووجه السؤال أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- منع عليًا من الزواج من بنت أبي جهل وهذا يدل على التحريم.
[والجواب على هذه الشبهة.]
إن الذي أوقعهم في ذلك أنهم لم يسوقوا لفظ الحديث كاملًا؛ وإنما لخصوا القصة تلخيصًا مريبًا ليستدلوا على أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يمنع تعدد الزوجات؛ وهذا غير صحيح، ولا
(١) الوسطية في القرآن الكريم: علي محمد الصلابي ٣/ ١٥٠.