للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لما قيل: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} جاز أن يتوهم المتوهم أن الفرض ثلاثة أيام في الحج أو سبعة في الرجوع، فأعلم اللَّه عز وجل أن العشرة مفترضة كلها، فالمعنى: المفروض عليكم صوم عشرة كاملة على ما ذُكر من تفرقها في الحج والرجوع. (١)

أقول: ولما كان يمكن أن يفهم من (الواو) التخيير أو الإباحة في التخيير من معاني (أو) بين الثلاثة الأيام والسبعة - جاءت لفظة (عشرة) لبيان أن المعنى هو الجمع بين الثلاثة الأيام والسبعة ليكون المجموع عشرة، وأن المراد تقسيم العشرة الأيام إلى ثلاثة في الحج وسبعة بعد الرجوع.

وهذا الكلام يزيل الإبهام المتولد من تصحيف الخط؛ وذلك لأن سبعة وتسعة متشابهتان في الخط، فإذا قال بعده: تلك عشرة كاملة زال هذا الاشتباه. (٢)

[الوجه الثالث: السبعة تخرج عن معنى العددية وتأتي لبيان معنى التضعيف والتكثير.]

قد تكرر ذكر السبعة والسبع والسبعين والسبعمائة في القرآن وفي الحديث، والعرب تضعها موضع التضعيف والتكثير كقوله تعالى: {كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ} (البقرة: ٢٦١)، وكقوله تعالى: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} (التوبة: ٨٠)، وكقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الحسنة بعشر أَمثالها إِلى سبعمائة ضعف" (٣)، وسَبَّعَ اللَّه لك أَيضًا ضَعَّفَ لك ما صنعت سبعة أَضعاف، ومنه قول الأَعرابي لرجل أَعطاه درهمًا: سَبَّعَ اللَّه لك الأَجر؛ أَراد التضعيف. . والعرب تضع التسبيع موضع التضعيف وإِن جاوز السبع، والأَصل قول اللَّه -عز وجل- كمثل حبة أَنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة، ثم قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: الحسنة بعشر إِلى سبعمائة، قال الأَزهري: وأَرى قول اللَّه -عز وجل- لنبيه -صلى اللَّه عليه وسلم-: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ


(١) معاني القرآن للزجاج ١/ ٢٦٨، تفسير البغوي ١/ ١٧٠، المحرر الوجيز ١/ ٢٧٠.
(٢) التفسير الكبير للرازي ٥/ ١٣٤.
(٣) رواه البخاري ٤١ عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه-.

<<  <  ج: ص:  >  >>