للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَرَسٌ. قَالَ: "وَمَا هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ"؟ قَالَتْ: جَنَاحَانِ. قَالَ: "فَرَسٌ لَهُ جَنَاحَانِ"؟ قَالَتْ: أَمَا سَمِعْتَ أَنَّ لِسُلَيْمَانَ خَيْلًا لَهَا أَجْنِحَةٌ؟ قَالَتْ: فَضَحِكَ حَتَّى رَأَيْتُ نَوَاجِذَهُ" (١).

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ عِفْرِيتًا مِنْ الْجِنِّ تَفَلَّتَ الْبَارِحَةَ لِيَقْطَعَ عَلَيَّ صَلَاتِي، فَأَمْكَنَنِي الله مِنْهُ، فأَخَذْتُهُ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبُطَهُ عَلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ حَتَّى تَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ، فَذَكَرْتُ دَعْوَةَ أَخِي سُلَيْمَانَ: {وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} فَرَدَدْتُهُ خَاسِئًا" (٢).

[٣ - وما العجب في أن يتكلم غير الإنسان؟]

فإن الذي أعطى القدرة لقطعة اللحم لا حول لها ولا قوة (وهي اللسان) على التحدث والنطق بأكثر من لغة، قادر على أن يعطي هذه القدرة وهذه الملكة لغير الإنسان، فـ {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر: ٦٢]، وقال تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء: ٤٤].

وإن كان كلام الطير مما يتعجب منه أو شيء لا يصدق، فهذا هو حال المعجزات، فهي معجزة لسليمان - عليه السلام - كما حدث لنبينا من ذلك الكثير، كحنين الجزع (٣)، وتسبيح الطعام بين يديه - صلى الله عليه وسلم - (٤).

ومن الأدلة على ذلك قوله الله تعالى: {حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٢٠) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢١)} [فصلت: ٢٠، ٢١]، ففي هذه الآيات إثبات الكلام مع انعدام الجارحة، فالسمع والبصر والجلود ليس عندهم جارحة الكلام، ومع ذلك عندما أراد الله أن ينطقهم نطقوا وقالوا: {قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ}، وقال تعالى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤)} [النور: ٢٤].

٤ - كل الكائنات تسبح بحمده.


(١) أخرجه أبو داود (٤٩٣٢)، وصححه الألباني في صحيح آداب الزفاف (١٧٠).
(٢) أخرجه البخاري (٣١٧٠)، مسلم (٥٤١)، أحمد (٢/ ٢٩٨).
(٣) حديث حنين الجزع عند البخاري (٣٣١٨).
(٤) كما عند البخاري (٣٣١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>