للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن حزم: إن النفس إذا مرنت على أمر ألفته، فإذا نقلت عنه إلى غيره شق عليها لمكان الاعتياد المألوف، فظهر منها بإذعان الانقياد لطاعة الأمر (١).

الدليل الخامس:

أنه إذا جاز أن يخلق الله - تعالى - خلقا على صفة، ثم ينقله إلى صفة أخرى: مثل أن يخلقه طفلًا، ثم ينقله إلى الشباب، ثم إلى الكهولة، ثم إلى الشيخوخة، ثم إلى الموت من غير اختيار للعبد، ولم يكن ذلك قبيحًا في شرع ولا عقل، فوجب أن يجوز - هنا - أن يكلف الله خلقه بعبادة ثم ينقلهم عنها. (٢)

[المبحث الثالث: أهمية علم الناسخ والمنسوخ.]

قال ابن حزم: ثم اعلم أن هذا الفن من العلم من تتمات الاجتهاد؛ إذ الركن الأعظم في باب الاجتهاد معرفة النقل، ومن فوائد النقل معرفة الناسخ والمنسوخ؛ إذ الخطب في ظواهر الأخبار يسير، وتحمل كلفها غير عسير؛ وإنما الإشكال في كيفية استنباط الأحكام من خفايا النصوص، ومن التحقيق فيها معرفة أول الأمرين وآخرهما إلى غير ذلك من المعاني. (٣)

قال القرطبي: معرفة هذا الباب أكيدة، وفائدته عظيمة، لا يستغني عن معرفته العلماء، ولا ينكره إلا الجهلة الأغبياء؛ لما يترتب عليه من النوازل في الأحكام، ومعرفة الحلال من الحرام. (٤)

وقد جمع الزرقاني فوائد علم الناسخ والمنسوخ، فقال رحمه الله:

لهذا المبحث أهمية خاصة وذلك من وجوه خمسة:

أولها: أنه طويل الذيل، كثير التفاريع، متشعب المسالك.

ثانيها: أنه تناول مسائل دقيقة كانت مثارًا لخلاف الباحثين من الأصوليين الأمر الذي يدعو إلى اليقظة والتدقيق، وإلى حسن الاختيار مع الإنصاف والتوفيق.


(١) الناسخ والمنسوخ لابن حزم ص ٨.
(٢) المهذب في علم أصول الفقه ٢/ ٥٤٣.
(٣) الناسخ والمنسوخ لابن حزم ص ٥.
(٤) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ٢/ ٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>