للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال السبكي رحمه الله: "وعدم اختلاطهم يبعدهم عن معرفة محاسن الإسلام، ألا ترى من الهجرة إلى زمن الحديبية لم يدخل في الإسلام إلا قليل، ومن الحديبية إلى الفتح دخل فيه نحو عشرة آلاف؛ لاختلاطهم بهم، للهدنة التي حصلت بينهم فهذا هو السبب في مشروعية عقد الذمة (١).

[٣ - الإحسان الى المحتاج منهم بالصدقة والصلة]

قال الله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٨)}.

وعن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما-، قالت: قدمت عليَّ أمي، وهي مشركة في عهد قريشٍ إذ عاهدوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فاستفتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقالت: يا رسول الله، إنّ أمي قدمت عليَّ وهي راغبة، أفأصلها؟ قال: "نعم، صليها" (٢). وأنزل الله تعالى فيها: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} الآية (٣).

وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنّ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- رأى حلة سيراء عند باب المسجد، فقال: يا رسول الله، لو اشتريت هذه فلبستها للناس يوم الجمعة، وللوفد إذا قدموا عليك. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنّما يلبس هذه مَن لا خلاق له في الآخرة"، ثم جاءت رسولَ الله منها حللٌ، فأعطى عمر منها حلة. فقال عمر: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كسوتنيها، وقد قلتَ في حلة عُطارد ما قلت؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنّي لم أكسكها لتلبسها" فكساها عمر أخًا له مشركًا بمكة (٤).

قال النووي: "وفي هذا دليل لجواز صلة الأقارب الكفار، والإحسان إليهم، وجواز


(١) الفتاوى ٢/ ٤٠٤.
(٢) رواه البخاري (٥٩٧٩).
(٣) ينظر: الدر المنثور ٨/ ١٣٠ - ١٣١، حيث عزاه لابن المنذر وغيره.
(٤) رواه البخاري (٨٤٦)، ومسلم (٢٠٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>