للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال القرطبي: ثم ورد في بعض الأخبار التنبيه على العلة في منع الجمع بين من ذكر، وذلك ما يفضي إليه الجمع من قطع الأرحام القريبة مما يقع بين الضرائر من الشنآن والشرور بسبب الغيرة، فروى ابن عباس قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يتزوج الرجلُ المرأةَ على العمة أو على الخالة، وقال: "إنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم". (١)

قلت: فهذا واضح في أن الغيرة تقع فطرية لا كسبية؛ لأنها قد تقع بين المرأة وبين أحب الناس إليها، ثم مَنْ كان في مثل شخصية وأخلاق الرسول الأعظم -صلى الله عليه وسلم- كيف لا تغار عليه زوجته؟ !

[الوجه الثالث: هذه الأحاديث التي وردت عن عائشة -رضي الله عنها- في شأن الغيرة من خديجة -رضي الله عنها- لخبربه عائشة عن أمر جرى في نفسها؛ لتدل به على عظمة خديجة -رضي الله عنها- لا لتعلن عن حقدها أو حسدها، وإليكم هذه الأحاديث لتنظروا بعين الإنصاف.]

١ - عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: ما غرت على امرأة لرسول الله كما غرت على خديجة؛ لكثرة ذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إياها وثنائه عليها؛ وقد أوحي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يبشرها ببيت لها في الجنة من قصب. (٢) وفي رواية لمسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لها: "إني قد رزقت حبها". (٣)

قال ابن حجر: فيه ثبوت الغيرة وأنها غير مستنكر وقوعها من فاضلات النساء فضلًا عمن دونهن، وأن عائشة كانت تغار من نساء النبي -صلى الله عليه وسلم-، لكن كانت تغار من خديجة أكثر، وقد بينت سبب ذلك وأنه لكثرة ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- إياها، وأصل غيرة المرأة من تخيل محبة غيرها أكثر منها، وكثرة الذكر تدل على كثرة المحبة، وقال القرطبي: مرادها بالذكر لها مدحها والثناء عليها. (٤)

وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا ذكر خديجة أثنى عليها فأحسن الثناء. قالت: فغرت يومًا فقلت: ما أكثر ما تذكرها حمراء الشدق! قد أبدلك الله عزَّ وجلَّ بها خيرًا


(١) حسن لغيره. أخرجه أبو داود (٢٠٧٦)، وأحمد ١/ ٢١١، والطبراني في الكبير (١٢٠٢٦) من طريق خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس، وخصيف هو ابن عبد الرحمن الجزري صدوق سيئ الحفظ واختلط بآخره، ولكنه توبع؛ تابعه أبو حريز -بفتح المهملة وكسر الراء وآخره زاي- واسمه عبد الله بن الحسين قاضي سجستان صدوق يخطئ، أخرجه ابن حبان في الصحيح (٤١١٦).
(٢) البخاري (٤٩٣١).
(٣) مسلم (٢٤٣٥).
(٤) فتح الباري ٧/ ١٣٦، تحفة الأحوذي ٦/ ١٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>