للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى لما شرح تفاصيل إنعامه عليه قال: {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} والمعنى: أنَّا إنما خصصنا نوحًا عليه السلام بتلك التشريفات الرفيعة من جعل الدنيا مملوءة من ذريته ومن تبقية ذكره الحسن في السنة جميع العالمين لأجل أنه كان محسنًا، ثم علل كونه محسنًا بأنه كان عبدًا لله مؤمنًا، والمقصود منه بيان أن أعظم الدرجات وأشرف المقامات الإيمان بالله والانقياد لطاعته (١).

٦ - عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاء رجل من أهل البادية عليه جبة سيجان مزرورة بالديباج فقال: ألا إن صاحبكم هذا قد وضع كل فارس ابن فارس. قال: يريد أن يضع كل فارس ابن فارس ويرفع كل راع ابن راع. قال: فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمجامع جبته وقال: ألا أرى عليك لباس من لا يعقل. ثم قال: إن نبي الله نوحًا - عَلَيْهِ السَّلَام - لما حضرته الوفاة قال لابنه: إني قاصٍ عليك الوصية، آمرك باثنتين، وأنهاك عن اثتتين: آمرك بلا إله إلا الله؛ فإن السموات السبع والأرضين السبع لو وضعت في كفة ووضعت لا إله إلا الله في كفة رجحت بهن لا إله إلا الله، ولو أن السموات السبع والأرضين السبع كن حلقة مبهمة قصمتهن لا إله إلا الله وسبحان الله وبحمده؛ فإنها صلاة كل شيء، وبها يرزق الخلق، وأنهاك عن الشرك والكبر.

قال: قلت أو قيل يا رسول الله، هذا الشرك قد عرفناه في الكبر؟ قال: أن يكون لأحدنا نعلان حسنتان لهما شراكان حسنان؟ قال: ""لا قال: هو أن يكون لأحدنا حلة يلبسها؟ " قال: "لا"، قال: الكبر هو أن يكون لأحدنا دابة يركبها؟ قال: "لا"، قال: أفهو أن يكون لأحدنا أصحاب يجلسون إليه؟ قال: "لا"، قيل: يا رسول الله، فما الكبر؟ قال: "سفه الحق وغمص الناس"" (٢).

أما قولهم عن الله: ليس مصدرًا للضلال؛ فهذا حقٌّ أريد به باطل، وقد فصل ذلك في شبه العقيدة فانظره في محله.

[الوجه التاسع: دعاء الأنبياء على الظالمين في الكتاب المقدس.]

وأخيرًا: فما قولكم في دعاء الأنبياء على الظالمين كما في التوراة.

ففي المزمور الثامن عشر (١٨/ ٤٨) "من الرجل الظالم تنقذني" وأيضا (١٨/ ٤٢) "مثل طين الأسواق اطرحهم".


(١) تفسير الرازي (١٣/ ١٣٠).
(٢) مسند أحمد (٢/ ١٦٩)، صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (٦٢٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>