للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإنسان من صغائر الذنوب التي لا يكاد يسلم منها إلا من عصمة الله تعالى وحفظه (١).

وقال شمس الحق آبادي: وقيل معنى كتب أنه أثبت عليه ذلك الفعل، فبالعينين وبما ركب فيهما من القوة الباصرة؛ تجد لذة النظر، وعلى هذا وليس المعنى أنه ألجأه إليه وأجبره عليه، بل ركز في جبلته حب الشهوات، ثم إنه تعالى برحمته وفضله يعصم من يشاء، وقيل هذا ليس على عمومه؛ فإن الخواص معصومون عن الزنا ومقدماته، ويحتمل أن يبقى على عمومه؛ بأن يقال على كل فرد من بني آدم صدور نفس الزنا، فمن عصمه الله عنه بفضله صدر عنه من مقدمات الظاهرة، ومن عصمه بمزيد فضله ورحمته عن صدور مقدماته وهم خواص عباده، صدر عنه لا محالة بمقتضى الجبلة مقدماته الباطنة، وهي تمني النفس واشتهاؤها (٢).

[الوجه الثاني: إثبات عصمة النبي - صلى الله عليه وسلم -.]

قال ابن تيمية: إِنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْأَنبِيَاءَ مَعْصُومُونَ عَنْ الْكَبَائِرِ دُونَ الصَّغَائِرِ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ وَجَمِيعِ الطَّوَائِفِ؛ حَتَّى إنَّهُ قَوْلُ أَكثَرِ أَهْلِ الْكَلَامِ كَمَا ذَكَرَ (أَبُو الْحَسَنِ الآمدي) أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَشْعَرِيَّةِ، وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ أَكثَرِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفُقَهَاءِ، بَلْ هُوَ لَمْ يَنْقُلْ عَنْ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ إلَّا مَا يُوَافِقُ هَذَا الْقَوْلَ، وَلَمْ يَنْقُلْ عَنْهُمْ مَا يُوَافِقُ الْقَوْلَ. وَإِنَّمَا نُقِلَ ذَلِكَ الْقَوْلَ فِي الْعَصْرِ المُتَقَدِّمِ عَنْ الرَّافِضَةِ، ثُمَّ عَنْ بَعْضِ المُعْتَزِلَةِ، ثُمَّ وَافَقَهُمْ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنْ المُتَأَخِّرِينَ، وَعَامَّةُ مَا يُنْقَلُ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُمْ غَيْرُ مَعْصُومِينَ عَنْ الْإِقْرَارِ عَلَى الصَّغَائِرِ، وَلَا يُقَرُّونَ عَلَيْهَا، وَلَا يَقُولُونَ إنَّهَا لَا تَقَعُ بِحَالِ (٣).

قال ابن حزم: ومن البرهان على أنه لم يكن البتة أن يعصي نبي، قوله - صلى الله عليه وسلم - ما كان لنبي أن تكون له خائنة الأعين لما قال له الأنصاري: هلا أومأت إليَّ، في قصة عبد الله بن سعد بن أبي سرح فنفى - صلى الله عليه وسلم - عن جميع الأنبياء عليهم السلام أن تكون لهم خائنة الأعين، وهو أخف ما يكون من الذنوب، ومن خلاف الباطن للظاهر، فدخل في هذا جميع المعاصي


(١) معالم السنن ٣/ ١٩٢: ١٩١.
(٢) عون المعبود ٣/ ١٣٤: ١٣٣.
(٣) مجموع الفتاوى ٤/ ٣٢٠: ٣١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>