للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غي. وليست هذه الحادثة وحدها هي الدليل على الفرق الكبير بين معاملة الغزاة لأعدائهم وبين معاملة أعدائهم في واحدة من المئات التي جاءت في كتب التاريخ عن الحروب الصليبية ومعظمها لمؤرخين مسيحيين من الفرنج بالذات (١).

يقول أميل درمنغم: كانت الفتوح الإسلامية جزاءً مقدرًا، وخزيًا كبيرًا على النصرانية الشرقية المتفرقة المنحطة، وكان سلطان العرب غلًّا أكرهت به أوروبا على الصواب، فكان ظهور العرب ووعيدهم حافزين للنصرانية إلى سلوك سبيل الإصلاح والترقي (٢).

لم يشرع الجهاد لهداية الناس بالسيف ففي القرآن: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: ٢٥٦]، والقرآن يأمر المسلمين بالاعتدال وبألا يبدؤوا بالاعتداء (٣).

كتب الفوز للعرب؛ لأنهم كانوا أهلًا للفوز، وتمّ النصر للإسلام؛ لأنه عنوان رسالة كان الشرق كثير الاحتياج إليها، واحتمل المسلمون ضروب العذاب قبل الهجرة ولم يستطيعوا لها ردًّا، فلما كانت الهجرة وكان ما أبدوه من المقاومة والنصر، اتخذوا التسامح الواسع دستورًا لهم. أجل لم يبق للمشركين مقام في دار الإسلام، ولكنه أصبح لأهل الكتاب من اليهود والنصارى فيها حق الحماية وحرية العبادة وما إليهما، وصاروا من المجتمع إذا ما أعطوا الجزية. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من آذى ذميًّا فأنا خصمه"، وما أكثر ما في القرآن والحديث من الأمر بالتسامح، وما أكثر عمل فاتحي الإسلام بذلك، ولم يرو التاريخ أن المسلمين قتلوا شعبًا، وما دخول الناس أفواجًا في الإسلام إلّا عن رغبة فيه، وهنا نذكر أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لمَّا دخل القدس فاتحًا أمر بألّا يمسّ النصارى بسوء وبأن تترك لهم كنائسهم، وشمل البطرك بكل رعاية، ورفض الصلاة في الكنيسة خوفًا من أن يتخذ المسلمون ذلك ذريعة لتحويلها إلى مسجد.


(١) المصدر السابق صـ ٩٢ - ٩٣.
(٢) حياة محمد صـ ١٤٤.
(٣) المصدر السابق صـ ١٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>