للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أوذيت في الله وما يؤذَى أحد، ولقد أتت علي ثلاثون - من بين يوم وليلة - وما لي طعام يأكله ذو كبد إلا شيء يواريه إبط بلال (١).

فلم يزل - صلى الله عليه وسلم - يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له؛ حتى ظهر دين الله، وأعلن ذكره وتوحيده في المشارق والمغارب، وصارت كلمة الله هي العليا، ودينه هو الظاهر، وتوحيده هو الشائع، وصار الدين كله لله.

قال ابن رجب الحنبلي: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وجعل رزقي تحت ظل رمحي": إشارة إلى أن الله لم يبعثه بالسعي في طلب الدنيا، ولا بجمعها واكتنازها، ولا الاجتهاد في السعي في أسبابها، وإنما بعثه داعيًا إلى توحيده بالسيف، ومن لازم ذلك أن يقتل أعداءه الممتنعين عن قبول التوحيد، ويستبيح دماءهم وأموالهم، ويسبي نساءهم وذراريهم، فيكون رزقه مما أفاء الله من أموال أعدائه؛ فإن المال إنما خلقه الله لبني آدم ليستعينوا به على طاعته وعبادته، فمن استعان به على الكفر بالله والشرك به سلط الله عليه رسوله وأتباعه فانتزعوه منه وأعادوه إلى من هو أولى به من أجل عبادة الله وتوحيده وطاعته، وقال تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا} (الأنفال: ٦٩).

وقال أيضًا: وكان - صلى الله عليه وسلم - إنما كان يجاهد لتكون كلمة الله هي العليا، ودينه هو الظاهر، لا لأجل الغنيمة؛ فيحصل له الرزق تبعًا لعبادته وجهاده في الله، فلا يكون فرغ وقتًا من أوقاته لطلب الرزق محضًا، وإنما عبد الله في جميع أوقاته وحده فيها وأخلص له، فجعل الله له رزقه ميسرًا في ضمن ذلك من غير أن يقصده ولا يسعى إليه.

وقال عمر بن عبد العزيز: إن الله تعالى بعث محمدًا هاديًا ولم يبعثه جابيًا، فكان - صلى الله عليه وسلم - شغله بطاعة الله والدعوة إلى التوحيد، وما يحصل في خلال ذلك من الأموال من الفيء والغنائم يحصل تبعًا لا قصدًا أصليًا، ولهذا ذم من ترك الجهاد، واشتغل عنه باكتساب الأموال (٢).

الوجه الرابع: بيان أن الإسلام لم يكره أحدًا للدخول فيه (٣).


(١) ابن ماجه (١٥١)، مسند أحمد (٣/ ١٢٠)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (١٢٣).
(٢) الحكم الجديرة بالإذاعة لابن رجب الحنبلي (١٣: ١).
(٣) انظر: شبهة الإرهاب وانتشار الإسلام بالسيف، ففيها وجوه عدة في الرد على ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>