للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسجوعًا، حتى خُيل إلى هؤلاء العرب أن القرآن شعر؛ لأنهم أدركوا في إيقاعه وترجيعه لذة، وأخذتهم من لذة هذا الإيقاع والترجيع هزّة لم يعرفوا شيئًا قريبًا منها إلا في الشعر، ولكن سرعان ما عادوا على أنفسهم بالتخطئة فيما ظنّوا، حتى قال قائلهم وهو الوليد بن المغيرة: وما هو بالشعر معلّلًا ذلك؛ بأنه ليس على أعاريض الشعر في رجزه ولا في قصيدة بيد أنه تورط في خطأ أفحش من هذا الخطأ، حين زعم في ظلام العناد. (١)

[الوجه الرابع: الإعجاز في ألفاظ القرآن الكريم.]

وبيانه كما يلي:

[١ - ترتيب الألفاظ.]

قال ابن عطية: فإذا ترتبت اللفظة من القرآن، عُلم بإحاطته أي لفظة تصلح أن تلي الأولى، وتبين المعنى بعد المعنى، ثم كذلك من أول القرآن إلى آخره. (٢)

[٢ - صفة الألفاظ.]

قال الزركشي: فمن إعجاز القرآن جمعه بين صفتي الجزالة والعذوبة، وهما كالمتضادين لا يجتمعان غالبًا في كلام البشر؛ لأن الجزالة من الألفاظ التي لا توجد إلا بما يشوبها من القوة، وبعض الوعورة والعذوبة منها ما يضادها من السلاسة والسهولة، فمن نحا نحو الصورة الأولى، فإنما يقصد الفخامة والروعة في الأسماع مثل الفصحاء من الأعراب وفحول الشعراء منهم، ومن نحا نحو الثانية قصد كون الكلام في السماع أعذب وأشهى وألذ، مثل أشعار المخضرمين ومن داناهم من المولدين المتأخرين، وترى ألفاظ القرآن قد جمعت في نظمه كلتا الصفتين، وذلك من أعظم وجوه البلاغة والإعجاز. (٣)

فالكلام يتبين فضله ورجحان فصاحته بأن تذكر منه الكلمة في تضاعيف كلام، أو تقذف ما بين شعر فتأخذها الأسماع، وتتشوف إليها النفوس، ويرى وجه رونقها باديًا غامرًا سائر ما تقرن به كالدُّرّة التي ترى في سلك من خرز، وكالياقوتة في واسطة العقد،


(١) مناهل العرفان في علوم القرآن ٢/ ٣١١.
(٢) الإتقان في علوم القرآن ٢/ ٣١٧ - ٣٢٠.
(٣) البرهان في علوم القرآن ٢/ ١٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>