[الوجه الثاني: ليس أحد الجنسين أولى بأن يكون أصل ذلك كان من عنده من الجنس الآخر، فلعل ما وصف أنه عجمي يكون عربي الأصل.]
قال الطبري: لم نستنكر أن يكون من الكلام ما يتفق فيه ألفاظ جميع أجناس الأمم المختلفة الألسن بمعنى واحد، فكيف بجنسين منها؟ كما وجدنا اتفاقًا كثيرًا منه فيما قد علمناه من الألسن المختلفة، وذلك كالدرهم، والدينار، والدواة، والقلم، والقرْطاس، وغير ذلك مما يتعب إحصاؤه ويُمِلّ تعداده، كرهنا إطالة الكتاب بذكره مما اتفقت فيه الفارسية والعربية باللفظ والمعنى. ولعلّ ذلك كذلك في سائر الألسن التي نجهل منطقها ولا نعرف كلامها. فلو أن قائلًا قال - فيما ذكرنا من الأشياء التي عددْنا وأخبرْنا اتفاقَه في اللفظ والمعنى بالفارسية والعربية، وما أشبهَ ذلك مما سكتنا عن ذكره -: ذلك كله فارسيّ لا عربيّ، أو ذلك كله عربيّ لا فارسيّ، أو قال: بعضه عربيّ وبعضه فارسيّ، أو قال: كان مخرج أصله من عند العرب فوقع إلى العجم فنطقوا به، أو قال: كان مخرج أصله من عند الفرس فوقع إلى العرب فأعربته كان مستجهَلًا؛ لأن العربَ ليست بأولى من أن يكون مخرجُ أصل ذلك منها إلى العجم، ولا العجم أحقّ أن يكون مخرج أصل ذلك منها إلى العرب، إذا كان استعمال ذلك بلفظ واحد ومعنى واحد موجودًا في الجنسين. وإذْ كان ذلك موجودًا على ما وصفنا في الجنسين، فليس أحدُ الجنسين أولى بأن يكون أصلُ ذلك كان من عنده من الجنس الآخر. والمدّعي أن مخرج أصل ذلك إنما كان من أحد الجنسين إلى الآخر، مدّعٍ أمرًا لا يوصَل إلى حقيقة صحّته إلا بخبرٍ يوجب العلم، ويزيل الشكّ، ويقطع العذرَ صحتُه؛ بل الصواب في ذلك عندنا: أن يسمَّى: عربيًّا أعجميًّا، أو حبشيًّا عربيًّا، إذا كانت الأمّتان له مستعملتين - في بيانها ومنطقها - استعمالَ سائر منطقها وبيانها. فليس غيرُ ذلك من كلام كلّ أمة منهما، بأولى أن يكون إليها منسوبًا منه. فكذلك سبيل كل كلمة واسم اتفقت ألفاظ أجناس أمم فيها وفي معناها، ووُجد ذلك مستعملًا في كل جنس منها استعمالَ سائرِ منطقهم، فسبيلُ إضافته إلى كل جنس منها، سبيلُ ما وصفنا - من الدرهم والدينار والدواة والقلم، التي اتفقت ألسن