للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بها بنفسه ماشيًا لا راكبًا، ويطال وقوفه عند إتيانه بها، ويجر إلى الموضع الذي تؤخذ منه بالعنف ثم تجر يده ويمتهن، وهذا كله مما لا دليل عليه ولا هو مقتضى الآية، ولا نقل عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا عن الصحابة أنهم فعلوا ذلك. والصواب في الآية أن الصغار هو: التزامهم لجريان أحكام الملة عليهم وإعطاء الجزية؛ فإن التزام ذلك هو الصغار.

وقد قال الإمام أحمد في رواية حنبل: كانوا يجرون في أيديهم، ويختمون في أعناقهم إذا لم يؤدوا الصغار الذي قال اللَّه تعالى {وَهُمْ صَاغِرُونَ}. وهذا يدل على أن الذمي إذا بذل ما عليه، والتزم الصغار لم يحتج إلى أن يجر بيده ويضرب. (١)

[الوجه التاسع: صور مشرقة في تعامل المسلمين مع أهل الذمة، وذلك في نقاط.]

لنعلم أن هذه القوانين لم تكن يومًا من الأيام في معزل عن الحياة، فقد قدم الإسلام ضمانات فريدة لأهل الذمة، لم، ولن تعرف لها البشرية مثيلًا، ففي مقابل دراهم معدودة يدفعها الرجال القادرون على القتال من أهل الذمة، فإنهم ينعمون بالعيش الآمن، والحماية المطلقة لهم من قبل المسلمين علاوة على أمنهم على كنائسهم، ودينهم.

وقد تجلى ذلك في وصايا الخلفاء لقادتهم، كما أكدته صيغ الاتفاقات التي وقعها المسلمون مع دافعي الجزية، ونود أن نلفت نظر القارئ الكريم إلى تأمل الضمانات التي يضمنها المسلمون وما يدفعه أهل الجزية في مقابلها، وذلك فيما يلي:

١ - كتاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لربيعة الحضرمي؛ وكتب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لربيعة بن ذي مرحب الحضرمي وإخوته وأعمامه: أن لهم أموالهم، ونخلهم، ورقيقهم، وآبارهم، وشجرهم، ومياههم، وسواقيهم، ونبتهم، وشِراجهم بحضر موت، وكل مال لآل ذي مرحب، وإن كل رهن بأرضهم يُحسب ثمره، وسدره، وقبضه من رهنه الذي هو فيه، وأن كل ما كان في ثمارهم من خير فإنه لا يسأل أحد عنه، وأن اللَّه، ورسوله براء منه، وأن نَصْرَ آل ذي


(١) أحكام أهل الذمة (١/ ١٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>