للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما فتنة الشبهات والأهواء المضلة؛ فبسببها تفرق أهل القبلة وصاروا شيعًا وكفَّر بعضُهم بعضًا، وأصبحوا أعداءً وفرقًا وأحزابًا بعد أن كانوا إخوانًا، فلم ينجُ من هذه الفرق إلا الفرقة الواحدة الناجية، وهم الذكورون في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ الله لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ الله وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ" (١).

وهم في آخر الزمان الغرباء الذكورون في هذه الأحاديث "الذين يصلحون إذا فسد الناس"، وهم الذين يفرون بدينهم من الفتن، وقال ابن مسعود - رضي الله عنه -: يأتي على الناس زمان يكون المؤمن فيه أذل من الأمَة (٢).

وإنما ذلَّ المؤمن آخر الزمان لغربته بين أهل الفساد من أهل الشبهات والشهوات، فكلهم يكرهه ويؤذيه لمخالفة طريقته لطريقتهم، ومقصوده لمقصودهم، ومباينته لما هم عليه، ثم بحمد الله يعقب هذه الغربة نصر وتمكين للإسلام (٣).

[الوجه الرابع: مبشرات بالنصر والتمكين للإسلام، وأن الدائرة ستكون على الكافرين.]

لا شك أن النصر والتمكين لهذه الأمة دائمًا، وسوف تنتهي هذه الأمة بالنصر المبين وتكون العزة والغلبة لها، وما هي فيه الآن ما هو إلا آلام ما قبل الولادة، نعم ولادة التمكين، وعن أبي بن كعب - رضي الله عنه -: يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "بشر هذه الأمة بالسناء والدين والرفعة والنصر والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب" (٤).

وهذه الأشياء التي يبشر بها الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا بد أن تحصل لأنه لا ينطق عن الهوى، وكما تحقق ما قاله في الماضي من أشياء كثيرة، فلا بد أن يتحقق ما يخبر عنه - صلى الله عليه وسلم - في المستقبل (٥).


(١) البخاري (٣٤٤١)، مسلم (١٩٢٠).
(٢) الزهد لأبي داود (١٧٦).
(٣) انظر (مبشرات بالنصر والتمكين للإسلام) من هذا البحث.
(٤) مسند أحمد (٥/ ١٣٤)، صحيح ابن حبان (٤٠٥)، المستدرك (٧٨٦٢)، حلية الأولياء (١/ ٢٥٥) وصححه الألباني في الجامع الصغير (٥١٣٦).
(٥) موسوعة الخطب والدروس (١٦/ ٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>