للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعاشرها: أن هناك من النص ذاته ما يستبعد معه أن يكون سبب نزول الآية شيئًا كهذا، وأن يكون مدلوله حادثًا مفردًا وقع للرسول - صلى الله عليه وسلم - فالنص يقرر أن هذه القاعدة في الرسالات كلها مع الرسل كلهم: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ}، فلا بد أن يكون المقصود أمرًا عامًا يستند إلى صفة في الفطرة مشتركة بين الرسل جميعًا، بوصفهم من البشر، مما لا يخالف العصمة المقررة للرسل. (١)

[الوجه السادس: في ذكر بعض كلام المحققين على هذه القصة]

١ - قال ابن كثير: قد ذكر كثير من المفسرين ها هنا قصة الغَرَانيق، وما كان من رجوع كثير من المهاجرة إلى أرض الحبشة، ظَنا منهم أن مشركي قريش قد أسلموا. ولكنها من طرق كلها مرسلة، ولم أرها مسندة من وجه صحيح، والله أعلم. (٢)

٢ - قال الآلوسي: وقد أنكر كثير من المحققين هذه القصة.

قال البيهقي: هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل.

وقال القاضي عياض في الشفاء: يكفيك في توهين هذا الحديث أنه لم يخرجه أحد من أهل الصحة ولا رواه ثقة بسند صحيح سليم متصل وإنما أولع به وبمثله المفسرون. والمؤرخون المولعون بكل غريب المتلقفون من الصحف كل صحيح وسقيم.

وذكر الشيخ أبو منصور الماتريدي في كتاب حصص الأتقياء الصواب أن قوله: تلك الغرانيق العلا من جملة إيحاء الشيطان إلى أوليائه من الزنادقة حتى يلقوا بين الضعفاء وأرقاء الدين ليرتابوا في صحة الدين وحضرة الرسالة بريئة من مثل هذه الرواية.

وذكر غير واحد أنه يلزم على القول بأن الناطق بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - بسبب إلقاء الشيطان الملبس بالملك أمور.

١ - منها تسلط الشيطان عليه - صلى الله عليه وسلم - وهو - صلى الله عليه وسلم - بالإجماع معصوم من الشيطان لا سيما في مثل هذا من أمور الوحي والتبليغ والاعتقاد، وقد قال سبحانه: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ


(١) الظلال ٥/ ٢٠٦.
(٢) تفسير ابن كثير سورة الحج آية: ٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>