للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا أن اللفظ العام لم يهمل مدلوله جملة، وإنما أهمل منه ما دل عليه الخاص وبقي السائر على الحكم الأول والمبين مع المبهم كالمقيد مع المطلق فلما كان كذلك استسهل إطلاق لفظ النسخ في جملة هذه المعاني لرجوعها إلى شيء واحد. (١)

ثانيًا: تعريف النسخ في اصطلاح الأصوليين

اختلفت عبارات الأصوليين في تعريف النسخ، (٢) ومن أهمها: رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر (متراخ) عنه. (٣)

قال الزرقاني: وإني أوجه نظرك في هذا التعريف إلى نقاط أربع:

أولاها: أن التعبير برفع الحكم يفيد أن النسخ لا يمكن أن يتحقق إلا بأمرين:

أحدهما: أن يكون هذا الدليل الشرعي متراخيًا عن دليل ذلك الحكم الشرعي المرفوع، والآخر: أن يكون بين هذين الدليلين تعارض حقيقي بحيث لا يمكن الجمع بينهما وإعمالهما معًا، أما إذا انتفى الأمر الأول ولم يكن ذلك الدليل الشرعي متراخيًا عن دليل الحكم الأول فلا نسخ وذلك كقوله تعالى: {أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: ١٨٧]، فإن الغاية المذكورة وهي قوله {إِلَى اللَّيْلِ} تفيد انتهاء حكم الصوم وهو وجوب إتمامه بمجرد دخول الليل، ولكن لا يقال لهذه الغاية الدالة على انتهاء هذا الحكم إنها نسخ وذلك لاتصالها بدليل الحكم الأول، وهو قوله ثم أتموا الصيام بل تعتبر الغاية المذكورة بيانًا أو إتمامًا لمعنى الكلام وتقديرًا له بمدة أو شرط فلا يكون رافعًا، وإنما يكون رافعا إذا ورد الدليل الثاني بعد أن ورد الحكم مطلقًا واستقر من غير تقييد بحيث يدوم لولا الناسخ ولهذا زاد بعضهم تقييد الدليل الشرعي في تعريف الناسخ بالتراخي وزاد بعضهم كلمة


(١) الموافقات (٣/ ١٠٨).
(٢) تراجع هذه التعريفات في النسخ والمفارقة بينها في النسخ في القرآن الكريم مصطفى زيد (١/ ١١٧: ٦١)، مقدمة الناسخ والمنسوخ للنحاس دراسة وتحقيق سليمان بن إبراهيم (١/ ١١٤: ١٠٧)، مقدمات النسخ د/ أسامة عبد العظيم.
(٣) شرح مختصر ابن الحاجب للأصفهاني (٢/ ٤٨٩)، الموافقات (٣/ ١٠٧)، شرح الكوكب المنير (٣/ ٥٢٦)، إرشاد الفحول (١٨٥)، روضة الناظر (١/ ٢١٩)، مناهل العرفان (٢/ ١٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>