للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا.) فالقول الثاني ناسخ للأول. (١)

[الوجه الثالث: على فرض صحتها إنما تدل على امتناع نسخ شيء من شريعة المسيح - عليه السلام - فقط.]

قال الزرقاني: إن هذه الجملة على تسليم صحتها، وصحة رواته وكتابها الذي جاءت فيه لا تدل على امتناع النسخ مطلقا؛ إنما تدل على امتناع نسخ شيء من شريعة المسيح فقط، فشبهتهم على ما فيه قاصرة قصورًا بيِّنًا عن مدعاهم. (٢)

[الشبهة التاسعة: هي الربط بين النسخ والبداء، فقد اتخذوا من إثبات النسخ ووقوعه في القرآن ذريعة إلى وصف الله - عز وجل - بالبداء.]

وتمسحوا في أمرين أولهما قوله سبحانه: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (٣٩)} [الرعد: ٣٩] فيقولون: إن مجال المحو والإثبات فيها هو صفة العلم ذاتها، وإنّ علم الله تعالى يتبدل، نتيجة لما يبدو له، أي لما يظهر له بعد أن كان خافيًا عليه.

الأمر الثاني: أنهم تشبثوا بآثار نسبوها إلى أئمة طاهرين، منها أن عليًا - رضي الله عنه - كان يقول: لولا البداء لحدثتكم بما هو كائن إلى يوم القيامة. ومنها أن جعفر الصادق - رضي الله عنه - قال: ما بدا الله تعالى في شيء كما بدا له في إسماعيل. ومنها أن موسى بن جعفر قال: البداء ديننا ودين آبائنا في الجاهلية. ويقوم هذا الادعاء على أن أئمة آل البيت كانوا يصفون الله - عز وجل - بالبداء.

والجواب على هذه الشبهة من وجوه:

الوجه الأول: البداء على الله مستحيل وقد حكم العلماء على من وصف الله به بالكفر.

قال ابن النجار: وَلَا يَجُوزُ الْبَدَاءُ عَلَى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَهُوَ تَجَدُّدُ الْعِلْمِ. وَهُوَ أَيْ الْقَوْلُ بِتَجَدُّدِ عِلْمِهِ جَلَّ وَعَلَا (كُفْرٌ) بِإِجْمَاعِ أَئِمَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ الله: مَنْ قَالَ: إنَّ الله تَعَالَى لَمْ يَكُنْ عَالِمًا حَتَّى خَلَقَ لِنَفْسِهِ عِلْمًا فَعَلِمَ بِهِ فَهُوَ كَافِرٌ (٣).


(١) مناهل العرفان (٢/ ١٧٠)، وانظر إظهار الحق (٣/ ٦٧٧: ٦٧٦).
(٢) مناهل العرفان (٢/ ١٧١: ١٧٠).
(٣) شرح الكوكب المنير (٣/ ٥٣٦)، البرهان في علوم القرآن (٢/ ٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>